السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"زيارات لجروح العراق" لغسان شربل: بوحُ مقلِّبي الجمر

المصدر: "النهار"
غلاف الكتاب عن "دار رياض الريس".
غلاف الكتاب عن "دار رياض الريس".
A+ A-
صدر للكاتب والصحافي اللبناني غسان شربل، كتاب "زيارات لجروح العراق"، بواقع 396 صفحة عن "دار رياض الريس للكتب والنشر". يتوغّل الصحافي الأديب في عمق الجرح، محاولاً تطهيره، ثم يُعرّضه للهواء الطلق، لعلّه يستكين ويُشفى. الغلاف لوجوه بَصَمَت في التاريخ العراقي، يحاكيها الكاتب من طريق فنّ الحوار الصريح. يخال القارئ نفسه أمام ملحمة تاريخية، ممتدّة الزمن، تتحرّك في كلّ اتّجاه، وإن كان العراق نقطة ارتكازها. "في العراق لا تلتئم الجروح. تختبئ وتكمن ثم تعاود الالتهاب. جروح التاريخ المثقل بجثث الحكام والمحكومين. وجروح الجغرافيا الشائكة التي جعلت العراق الحلقة الأصغر والأضعف في المثلّث الذي يضمّه مع إيران وتركيا". غسان شربل وسط هذا كلّه. يفكّك الألغام. يخاف أن يتوارى اللاعبون قبل الإدلاء برواياتهم. وهم يثقون به. ويدركون أنّ الصحافي المُثقل بهمّ الخرائط، المسكون بالفضول المغمّس بالشغف والوجع، يحمل حتماً أمانة الحبر. يسمّيهم اللاعبين، وقد بحث عنهم في العراق وفي المنافي: جلال طالباني، هوشيار زيباري، نوري المالكي، حامد الجبوري، عبد الغني الراوي، إبراهيم الداود، وعزيز محمد. حاورهم جميعاً، أول رئيس كرديّ في العراق الجديد (طالباني)، مع رئيسين للوزراء (المالكي والعبادي)، إلى زيباري الذي تولّي لعقد حقيبة الخارجية، وأشرف على إعادة إعمار علاقات العراق بالعرب والمنطقة والعالم. يتابع رئيس تحرير "الشرق الأوسط"، تقليب الجمر. فيلتقي الضابط العراقي الصاخب عبدالغني الراوي، ليُخبره قصّة المؤامرة التي أعدّها بدعم إيراني، وكيف أمر بإعدام عبدالكريم قاسم، واعترف بقتل الشيوعيين بذريعة الاستناد إلى فتوى دينية. ولأنّه متورّط في المطاردة، وفلش الأوراق المطوية أمام القارئ، يتوقّف عند رواية وزير الدفاع السابق إبراهيم عبدالرحمن الداود، الذي فتح في العام 1968 أبواب القصر الجمهوري أمام صدّام حسين ورفاقه، فكافأوه بإبعاده بعد أقلّ من أسبوعين. يُكمل شربل لقاءاته، مع الوزير حامد الجبوري، مدير مكتبَي البكر وصدام، وعزيز محمد الذي قاد الحزب الشيوعي نحو ثلاثة عقود، وكانت له مع البعث قصّة مريرة.
 
 
لا ينسلخ الصحافي- الكاتب هنا عن الإنسان. وجع واحد. فيكتب: "يصيب الحزن العراقي الصحافيَّ الزائر. لهذا سمّيتُ الكتاب (زيارات لجروح العراق)". وهنا الجروح ليست فحسب جروح الخارج، حيث العراق ساحات ومطامع وتمزّقات. بل هي أيضاً جروح الداخل، "صعبة المراس، يغطّيها القمع الشديد لفترة، لكنّها تطلّ في الفرصة الأولى، فتفوح رائحة الثأر". وقد أطلّت مجدداً، إذ ساد اعتقادٌ بأنّ اقتلاع نظام صدّام قد يفتح باب الاستقرار والازدهار، بعد تبدُّد ثروات النفط والدم. يعدّدها الكاتب: "الجروح الشيعية- السنّيّة. الجروح العربية- الكردية. فضلاً عن شجون الإدارة الإيرانية لعراق ما بعد صدام".
 
كتاب توثيقيّ، تاريخيّ، سياسيّ، يقول كلّ شيء، بلغة الأديب الجريح. يجول في الخريطة، محاولاً إمساك حدودها ومصارحة إنسانها بأثمان الانتماء وفظاعة الهوية، فيشاركه ألم الولادة في أوطان تحترق. القفز في دوائر النار، هواية قاسية. الكتابة تُبرّد. فعذاب أن يكون المرء شاهداً، لا يُطاق.
 
يُذكر أنّ غسان شربل هو صحافي وكاتب لبناني، بدأ حياته الصحافية في "النهار"، ثم عمل في "وكالة الصحافة الفرنسية" ومجلة "الوسط"، وفي رئاسة تحرير جريدة "الحياة"، وهو اليوم رئيس تحرير جريدة "الشرق الأوسط". يتمتّع بثقافة أدبية وشعرية ونقدية راسخة، فقد بدأ في الجامعة شاعراً، ويُعتبر محمد الماغوط من شعرائه وكتّابه المفضّلين، إلى السياب ومحمود درويش.
 
شارك في تغطية عدد من الأحداث العربية والدولية، واهتمّ عبر سلسلة "يتذكّر" بتوثيق عدد من المحطات اللبنانية والعربية على لسان أصحاب القرار فيها. له مؤلفات عدّة: "جورج حاوي يتذكر الحرب والمقاومة والحزب"، و"خالد مشعل يتذكر حركة حماس وتحرير فلسطين" ("دار النهار")، إلى 7 كتب عن "دار رياض الريس"، هي: "أين كنت في الحرب"، "ذاكرة الاستخبارات"، "لعنة القصر"، "أسرار الصندوق الأسود"، "صدام مرَّ من هنا"، "في خيمة القذافي" و"لبنان، دفاتر الرؤساء".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم