السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"حين تتحوّل لعبة الغمّيضة إلى مأساة"

المصدر: النهار
"حين تتحوّل لعبة الغمّيضة إلى مأساة"
"حين تتحوّل لعبة الغمّيضة إلى مأساة"
A+ A-


صدرت حديثًا رواية الحياة رواية للكاتب الفرنسي غيوم ميسو في ترجمتها العربية من قبل دار هاشيت أنطوان/نوفل.
 
وغيوم ميسو كاتب وروائي فرنسي في رصيده أكثر من عشر روايات، تُرجم معظمها إلى أربعين لغة. "الحياة رواية" هي الرواية الثالثة له التي تصدر عن نوفل من بعد "الصبيّة واللّيل" و"حياة الكاتب السريّة". «ذات يوم من شهر نيسان، اختفت ابنتي كاري البالغة من العمر ثلاث سنوات بينما كنّا نلعب الغمّيضة في شقّتي في بروكلين».
 
هكذا تبدأ قصّة فلورا كونواي، الروائية الشهيرة ذات الشخصية المتحفّظة. لا تفسير لاختفاء الطفلة. باب الشقّة مُوصَد ونوافذها مغلقة، لم تسجّل الكاميرات في المبنى السكني القديم في نيويورك أيّ حركة غريبة. ولم يُظهر تحقيق الشرطة أيّ شيء.
 
في هذه الأثناء، عبر المحيط الأطلسي، يخفي كاتب مفطور القلب نفسه في منزل مهدّم. هو وحده يحمل مفتاح اللغز. مصيراهما سيلتقيان.
يزعم المعالجون النفسيون أنّ للعبة الغمّيضة فوائد تربوية جلية: فهي وسيلة يختبر من خلالها الطفل الانفصال بشكل إيجابي. فهو يشعر، عبر تكرار هذا التباعد الموقّت والمختلق، بقوّة الرابط الذي يوحّده بوالديه. ولمضاعفة تأثيرات اللعبة، ينبغي أن تتحوّل دراما حقيقية تدغدغ في وقت قصير جدًّا مختلف المشاعر من إثارة وترقّب إلى ملمح خوف، قبل أن تطلق العنان لفرحة التلاقي من جديد.
 
ولكي تتكشّف كلّ تلك المشاعر، يجب تمديد المتعة والحرص على إطالة التشويق ما أمكن. كنت في طبيعة الحال، في معظم الأوقات، أعرف أين كانت كاري تختبئ حتى قبل أن أفتح عينيّ. لكن ليس هذه المرّة. بعد دقيقتين أو ثلاث من الأداء المسرحي، قرّرت التوقّف عن التظاهر وشرعت في البحث عنها. فعليًّا.
بسبب كلّ المرّات السابقة التي لعبنا فيها، تمرّست كاري في العثور على مخابئ فمرّة تكوّرت بحنكة خلف آلة تجفيف الملابس ومرّة تسلّلت إلى قلب الخزانة التي تحوي المكانس.
 
متسلّحة بالصبر بالرغم من انزعاجي، ظللت أبحث عنها في كلّ زاوية وكلّ ركن، وراء كلّ قطعة من الفرش، مرّة تلو مرّة كنت مستعجلة إلى درجة أنّني طوّحت المنضدة المصنوعة من خشب البلّوط والتي كنت أحفظ فيها أسطوانات الفينيل وجهاز التسجيل. على وقع الاصطدام، قُذِفَت ذراع المشغّل عن الأسطوانة فانقطعت الموسيقى وساد الصّمت في الغرفة.
في تلك اللحظة بالذات، شعرت بانكماش في معدتي.
– حسنًا يا صغيرتي، لقد ربحتِ. اخرجي من مخبئك الآن!
 
هرعتُ نحو قاعة الدخول. كان الباب المصفّح موصداً بإحكام. المفتاح أُدخل في القفل العلوي وعُلّق في حلقة للمفاتيح، بعيدًا عن متناول أيّ طفل.
– كاري! اخرجي من مخبئك، قلت لكِ، لقد ربحتِ!
 
كنت أحاول بكلّ ما أوتيت من منطق أن أكبح موجات الذعر التي بدأت تتدفّق في جسدي. كانت كاري حتمًا في المنزل. وكان وجود المفاتيح في الباب، والتي تعمل كحاجز لأسطوانة القفل، تحول دون إمكان فتحه من الخارج ولو كان لدى الشخص نسخة مزدوجة. أمّا النوافذ، ومنذ إعادة تجديد البناء، فكانت قطعًا محكمة الإغلاق. كاري ليست وحدها من لا يستطيع مغادرة المنزل بل من المستحيل لأحد أن يدخله أيضًا.
– كاري! قولي لي أين أنتِ.
 
كنت ألهث كما لو أنّني عبرت توًّا نصف سنترال بارك ركضًا. بالرغم من أنّني كنت أفتح فمي لأتنفّس، لم يعد الهواء يبلغ رئتيّ. إنّه لأمر مستحيل. من غير الممكن أن يختفي المرء في شقّة وهو يلعب الغمّيضة. هي لعبة ذات نهاية مبهجة على الدوام. والاختفاء يمثّل مشهدًا رمزيًّا موقّتًا. لا يمكن أن يكون غير ذلك. هذا من صلب اللعبة: لم نكن لنلعب لو لم نكن متيقّنين من إيجاد الآخر.
 
دوّى صراخي في أرجاء الشقّة حتى اهتزّت النوافذ. لكنّ الصدى ضاع وخيّم الصمت من جديد. في الخارج، اختفت الشمس. الجوّ أصبح باردًا. كما لو أنّ الشتاء قد هجم من دون سابق إنذار.
 
تسمّرتُ مكاني هنيهة، يتصبّب منّي العرق والدمع ينهمر على خدّي. وبينما أنا أحاول استعادة أنفاسي، لمحت أحد الخفّين الزهريين في رواق المدخل. التقطتُ الخفّ المخملي الصغير ذا اللون الزهري الفاتح. كان للقدم اليسرى. بحثتُ عن الخفّ الآخر، لكن يبدو أنّه قد اختفى أيضًا. عند ذاك قرّرت الاتّصال بالشرطة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم