السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

دورة استثنائية من أيام قرطاج السينمائية رغم كورونا: مواجهة الوباء بالإبداع

المصدر: "النهار"
الممثل والراقص التونسي أحمد طه في أيام قرطاج السينمائية (أ ف ب).
الممثل والراقص التونسي أحمد طه في أيام قرطاج السينمائية (أ ف ب).
A+ A-
تونس - روعة قاسم
 
تعيش تونس هذه الأيام على وقع مهرجانها السينمائي الدولي العريق "أيام قرطاج السينمائية"، الذي انتظم هذا العام في دورته الحادية والثلاثين، في ظرف وبائي صعب تمرّ به الخضراء كما سائر دول العالم، وفيما عجزت دول المنطقة عن تنظيم تظاهراتها الثقافية. فقد ظلّ مهرجان قرطاج صامداً يحتضن عشّاقه بانتظام سنوياً في محرابه، ولم يرغب القائمون عليه هذا العام أن يحرموا عشّاق الفن السابع من متعة الفرجة هذه، التي يحلقون عبرها إلى عوالم أخرى من الفن والإبداع التونسي والعربي والأفريقي. 
 
صحيح أنّ وباء كورونا ألقى بثقله، فقد انتظم المهرجان في ظروف خاصّة وعبر إجراءات وقائية، مثل خفض عدد روّاد قاعات السينما إلى النصف وغيره من الإجراءات الضرورية للتوقّي من العدوى الجماعية. إلّا أنّ هناك العديد من الصور المضيئة هذا العام، على غرار الأفكار الجديدة التي ابتدعها المنظمون، تماشياً مع الوضع الوبائي في البلاد، إذ خُصّص مكان في مدينة الثقافة لسينما السيارة على الطريقة الأميركية. حيث وضعت شاشة عملاقة في الهواء الطلق قبالة مرأب ضخم للسيارات خصص لمشاهدة الأفلام من داخل السيارة، دون الحاجة إلى النزول والاختلاط بالناس والتعرّض لخطر الإصابة بوباء كورونا.
 
الممثل والراقص التونسي أحمد طه في أيام قرطاج السينمائية (أ ف ب).
 
كما أنّ العروض داخل القاعات تمّ فيها احترام البروتوكول الصحّي، أي التعقيم وارتداء الكمامة والتباعد بين المشاهدين، وخاصة أنّ عدد قاعات العرض كبير وهامّ سواء في مدينة الثقافة أو في قلب العاصمة أو في قرطاج والمرسى، ومنطقتي المنازه والمنارات. حتى السجون خصّصت داخلها قاعات للعروض، حتى لا يحرم السجناء من الفنّ السابع ومن سحر السينما وشاشتها العملاقة، التي تسافر بالمرء إلى عوالم فسيحة لا تحدّها حدود ولا تقيدها قيود الزنازين والقضبان.
 
ومن الإيجابيات أيضاً أنّ حجز للأفلام أو اقتناء التذاكر يتم إلكترونياً وعبر موقع على الإنترنت، وذلك لتفادي الازدحام والتدافع بين المواطنين، ولتفادي انتقال عدوى كورونا من خلال اللمس، في حال تم اعتماد تذاكر ورقية. إذاً، يجد المُشاهد أمامه تنظيماً محكماً يتمكّن من خلاله من مشاهدة فيلمه في أفضل الظروف، دون الحاجة إلى الاحتكاك بأيّ كان، توقّياً لفيروس كوفيد 19 الذي عاد للتفشي في تونس، بعد نجاح البلد في تسجيل صفر حالات مع بداية فصل الصيف.
 
وانتظر جمهور السينما في قرطاج، وفي إطار التوقّي من فيروس كورونا، أن يتم التكثيف مما عرف في السنوات السابقة بـ"سينما الشارع"، أي إنشاء قاعة سينما في الهواء الطلق فيها شاشة عملاقة وكراسيّ في حلّة راقية ومكان لوضع المعدّات، وذلك في الأماكن المخصصة للمارّة بشوارع العاصمة، لكن ذلك لم يحصل. ففي السابق أقيمت قاعة مثالية في شارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة التونسية، وكانت تجربة رائعة إذ شهدت هذه "القاعة الاصطناعية" إقبالاً كثيفاً، وأدخلت حركة استثنائية وجوّاً من البهجة على الشارع الرئيسي للعاصمة.
 
وللإشارة، فقد أُلغيت المسابقة الرسمية هذا العام، وإذاً سيُلغى التانيت الذهبي والفضي والبرونزي وبقية الجوائز الأخرى، تفادياً للتقارب الجسدي واحتراماً للبروتوكول، الذي فرضته وزارة الصحة التونسية ضدّ فيروس كورونا. وتانيت هي إلهة الخير والخصب عند القرطاجيين أو التونسيين القدامى في عصور ما قبل ميلاد المسيح، وكانت تحظى بقداسة بالغة وأصبحت لاحقاً رمزاً للمرأة التونسية، واسماً لأهمّ جوائز مهرجان أيام قرطاج السينمائية. 
 
الممثلة التونسية ميريام بن ملاحم (أ ف ب).
 
كما تميّز المهرجان هذا العام بعرض 6 أفلام قصيرة في حفل الافتتاح، مستوحاة من 6 أفلام طويلة ظلّت محفورة في ذاكرة السينما التونسية والأفريقية عموماً. وذلك استجابة لمبدأ إحياء الذاكرة والاحتفاء بمشاهد خاصّة ظلت عصية على النسيان، في خضمّ واقع مليء بالتعقيدات والأزمات والصراعات. وقد أُنتجت هذه الأفلام الستة القصيرة خصيصاً لعرض الافتتاح في إنتاج للمركز الوطني للسينما والصورة. فقد اختار القائمون على المهرجان 34 فيلماً طويلاً ونحو 66 فيلماً قصيراً، عُرضت في أيام قرطاج السينمائية منذ تأسيسها سنة 1966 إلى 2019. ويرى المدير العام للمهرجان رضا الباهي، أنّ الأفلام المعروضة في الدورة الحالية هي فرصة سانحة للشباب ليتعرّف إلى الأفلام التي عُرضت سابقاً والتي لم يسبق له مشاهدتها، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة المهرجان.
 
وهذه الأفلام هي "الوقت الذي يمر"... تخليداً لروح أحمد السنوسي و"المصباح المظلم في بلاد الطرنني"، و"على عتبات السيّدة" الذي يتطرّق لمعاناة الأحياء الشعبية في تونس، وفيلم "مائدة" و"سوداء 2" وفيلم "السابع".
 
ومن بين ما يُحسَب لمهرجان قرطاج السينمائي أيضاً، ومنذ أن أسّسه المرحوم الطاهر شريعة بإشراف وزارة الثقافة التونسية، حفاظه على طابعه الخاصّ مهرجاناً للفيلم الهادف ولسينما المؤلف، التي تعالج قضايا إنسانية هامّة لبلدان الجنوب وخصوصاً أفريقيا والعالم العربي. ولم يسقط المهرجان في الرداءة على مستوى الأفلام التي تعرض فيه، رغم مرور السنوات ورغم الإغراءات بتغيير صبغته والدفع به إلى محرقة الأفلام التجارية، التي اختصّت فيها مهرجانات أخرى في المنطقة تسعى لسحب بساط الريادة منه، بالاعتماد على البهرج والتمويل الأجنبي.
ويرى بعض المختصّين بالسينما في تونس، أنه يجب عدم المسّ بصبغة مهرجان أيام قرطاج السينمائية وبنبله ورقيّه، بإقحام الأفلام التجارية والبحث عن التمويل الخارجي والبهرج، بل وجب الحفاظ عليه كما هو كأيقونة تليق بتونس أو قرطاج، واجهةً حضارية وثقافية للمنطقة المغاربية. ويمكن تأسيس مهرجان جديد يعنى بالأفلام التجارية وينتظم في إطار من البهرج والإبهار، يسوّق لصورة الخضراء ثقافياً وسياحياً وتجارياً، في زمن أصبحت فيه الصورة أهم أشكال التعبير.
 
المخرجة التونسية كوثر بن هانية (أ ف ب).
 
لكنّ الدورة هذه من أيام قرطاج السينمائية لم تخلُ من الانتقادات الواسعة، التي لا تتعلق بمضمون الأفلام المقترحة، بل بما سُمّي "الذوق الرديء" في اختيار الملابس وأكسسوارات الحضور، ممن تنقلوا على السجاد الأحمر في مدينة الثقافة التي احتضنت هذا الحفل. فالمعلوم أنّ الجميع في تونس ينتظر هذا الموعد لمتابعة إطلالات المشاهير والفنانين بآخر وأجمل صيحات الموضة. ولكن هناك بعض الضيوف من ارتدى، برأي المنتقدين، ملابس لا تليق بقامة المهرجان وتشوّه تاريخه العريق. فمهرجان أيام قرطاج السينمائية أعرق مهرجان سينمائي عربي وأفريقي على الإطلاق، وكان وراء بروز عدد هامّ من النجوم العرب والأجانب. ومن المفروض، بحسب هؤلاء، أن يحترم ضيوفه هذه العراقة ويحسنوا انتقاء ملابسهم وأكسسواراتهم. كما أنّ فخامة اسمه المرتبطة بواحدة من أعرق الحضارات في العالم، حضارة قرطاج العظيمة سيدة المتوسط، تقتضي أن يكون المهرجان دائماً في أبهى حلّة، وأن لا يسقط في الرداءة حتى في أدقّ التفاصيل.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم