الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"وذكرنا وأنثانا": دين وتحوّل جنسي تحت سماء الأردن

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
وذكرنا وأنثانا" للمخرج الأردني أحمد اليسير.
وذكرنا وأنثانا" للمخرج الأردني أحمد اليسير.
A+ A-
بعد "الحارة" الذي أحدث جدالاً في الأردن، تواصل السينما الأردنية صناعة المفاجآت من حيث لا نتوقّعها. فالمسابقة الدولية للدورة الحالية من مهرجان كليرمون فيران السينمائي (27 كانون الأول - 4 شباط)، شهدت عرض "وذكرنا وأنثانا" للمخرج الأردني أحمد اليسير. الفيلم البالغ طوله 11 دقيقة، يتعاطى مع موضوع يُعدّ من المحرمات في العالم العربي: التحوّل الجنسي. الفيلم يفتتح مع مَشاهد صلاة في فجر يوم حزين. الأم والأب (شفيقة الطل وكامل الباشا) مفجوعان لموت ابنهما المتحول جنسياً. المعلومات قليلة وشبه معدومة في هذا الشأن، نجهل ظروف الموت مثلاً، الا ان ما نراه على الشاشة يكفي لنفهم انه رحل من البلاد وعاد اليها جثّة. كانت الحكاية مرّت كغيرها لو ان الميت لم يخضع لعملية تغيير جنس، وهذا ما لا يمكن غفرانه دينياً واجتماعياً. أما المشكلة العملية هنا وفي هذه اللحظة فهي: من أين سيجد الوالدان شخصاً يحمل صفة شرعية يغسل الجثّة وفق شعائر الإسلام؟ يأتي الأهل بالأشخاص المخولين غسل الابن، الا انهم يرفضون القيام بالمهمة بعد علمهما بالتغيير الذي خضع له لتغيير جنسه.
الفيلم سلسلة من المتتاليات البصرية المشغولة بعناية. أحسن مدير التصوير كيف يمنح، من خلال كادرات مدروسة، الاحساس بالقلق والريبة، واضعاً ايانا في جو من الترقب والتشويق، لكن من دون ان يقتصر مشروعه على "الجمال من أجل الجمال". الحس البصري عالٍ وصريح وواعٍ. الأجواء داكنة ولها تبرير وتأتي من داخل العلاقة بين الشخصيات الثلاث، الأب والأم المتوترين أشد أنواع التوتر والابن المتوفى الذي ينتظر على طاولة الموت حلاً لمعضلته. الفيلم يقول الكثير: هل الأحكام الدينية المبرمة تلاحق الإنسان الشرق الأوسطي إلى آخرته؟ الرد لا يستوجب الكثير من التفكير: نعم. هذا الإنسان لا يملك شيئاً، حتى جسده ليس ملكه، ومن المفترض ان يسلّمه كما تسلّمه، قبل الرحيل. لا يملك سلطة القرار على أي شيء، واذا خالف، فلدى المجتمع والدين وحراسهما ما يكفي من الوقاحة لاعادته كما كان قبل العملية.
 


في المقابل، لا يخلو الفيلم من مشكلة وهي انه يترك الأشياء مفتوحة جداً على مصراعيها ولا يحدد لها سقفاً، الى درجة انها تصبح في مهب الريح، وهذا يتيح المجال لسوء الفهم. جمهور كليرمون فيران، الذي عادةً ما يصفّق لكلّ الأفلام، قام بواجبه في نهاية الفيلم. الا انني تساءلتُ علامَ صفّق هذا الجمهور وبناءً على ماذا عبّر عن بهجته؟ فالنهاية انتكاسة كبيرة لحقّ أي إنسان في تقرير مصيره وفي خيار الجسد الذي يعيش ويموت فيه. فهذا السؤال بقي غامضاً بالنسبة إليّ، أنا الذي وددتُ فهم ماذا فهم جمهور فرنسي أبعد ما يكون عن اشكاليات العلاقة التي تربط عائلة أردنية إسلامية بموضوع جندري مرفوض جملةً وتفصيلاً.

سلوك الأب في الفيلم مختلف عن سلوك الأم، وهذا طبيعي، لكن الاثنين ضائعان أمام مشهد جديد عليهما، وهما بهذا المعنى ضحية أيضاً. التصرفات تختلف من شخص إلى آخر، وهما يختلفان عن بقية الذين يتشاركون معهم ديناً واحداً في كونهما يعيشان أفظع لحظات الخسارة. احدى السيدات تتوجّه اليهما بالقول "خربتو البلد!” عندما تكتشف ما تعتبره خروجاً عن الدين. الفيلم يمنعنا أيضاً من التعمّق في عقلية الوالدين كي يبقى بعض التعاطف قائماً. لذا، يبقى على السطح، وهذه لفائدة الفيلم. لن نعرف اذا كان الخوف من الذات أو من الله أو من الآخرين… وما الفرق في النهاية؟ فهي ليست سوى سلسلة مخاوف متراكمة تحوّل الأب إلى منتهك لجسد ابنه بدافع صونه، بعد ان يصرخ بذكورية:” ابني زلمي وما بغسلوش الا زلمي!”. هذا كله والأم تتلو آيات من القرآن تحت سماء تستعد لاستقبال ابنها.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم