الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كلير توماس: أصوّر لأروي معاناة الناس وأرى المشهد كأنّه يوم القيامة

المصدر: "النهار"
من جلسة النقاش.
من جلسة النقاش.
A+ A-
"وسط الفوضى والرصاص الذي كان ينهال علينا من كلّ مكان أثناء تغطيتي للمواجهات الدائرة بين القوات العراقية من جهة ومقاتلي داعش من جهة أخرى، دخلت إلى قسم الإسعاف الميداني طفلة صغيرة كانت بحالة خوف شديد، وقد أخذها الفريق الطبي لإسعافها، في تلك اللحظة وضعت كاميرتي جانباً لأقدّم لها ما استطيع من المساعدة، وكانت الطفلة تصرخ في حضني، وأنا أشدّ عليها بين ذراعيّ، وعيونها المرتعبة تنظر لي وكنت أتساءل ما الذي أفعله هنا؟".

بهذا السؤال كشفت المصورة الصحفية البريطانية لجمهور النسخة الخامسة من المهرجان الدولي للتصوير (اكسبوجر 2021) الأسباب التي دفعتها لامتهان التصوير، والمحطات التي انتقلت بينها لتعيش أجواء حرب كاملة وتكون شاهدة على عشرات القتلى ومئات الجرحى من حولها، حيث قالت: "حين سألت ما الذي افعله هنا، أدركت أنني لطالما كُنتُ أحلمُ بالخيول، وهي التي قادتني لأمسك الكاميرا لأول مرة في حياتي، فقد عشت طفولتي في بيئة زراعية، التقط صوراً كثيرة للجياد، لكن ما كنت أبحث عنه في الحقيقة هو رغبتي برواية قصص الناس".

غانا والموت بصمت
وقالت مصورة التايمس خلال حوار ملهم بعنوان "من ويلز إلى الحرب: رحلة التصوير في الخطوط الأمامية": "ذهبت إلى غانا مع منظمات إنسانية عالمية تسعى للدفاع عن قضايا المرأة وتحارب مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، والتقطت العديد من الصور التي ساهمت في لفت أنظار العالم لهذه القضايا، ورفع الوعي بأهمية الحفاظ على صحّة المرأة وتوفير بيئة ملائمة لها، بالرغم من ذلك كله لم أستطع أن أجد العاطفة التي أريدها وأضمنها صوري، فقررت مغادرة غانا".
 

فلسطين جرحٌ نازف
وتواصلت رحلة كلير حتى وصلت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبدأت في رصد مآسي الناس اليومية تحت الاحتلال ، حيث قالت:" سافرت إلى فلسطين، لأصور معاناة الناس والأهالي الذين يختبرون في كلّ يوم مأساة جديدة تحت بنادق وسياط الاحتلال، ورصدت حالات الظلم التي يعانيها الفلسطيني يومياً، وصورت مشاهد الناس الذين يعيشون ظروفاً صعبة جرّاء تعنّت المحتل، ونقلت مشاهد الحياة هناك للعالم".

حدود لا تُفتح
وتابعت: "بعد رحلتي إلى فلسطين انتقلت إلى اليونان وحدود أوروبا حيث يبحث اللاجئون عن حياة جديدة، سرت إلى معاناة جديدة، بدأت في توثيقها، وشهدت كيف يحمل الناس بيوتهم فوق رؤوسهم، والتقطت صوراً لقنابل الغاز وهي تحلّق فوق المتظاهرين، وبقيت شاهدة على الظروف الصعبة التي يعاني منها اللاجئون حيث كانت الحكومات الأوروبية تغلق كلّ الحدود في وجههم".

العِراق والرصاص الذي لا يهدأ
بعد ذلك وجدت كلير نفسها في سيارة برفقة صحفيين متجهين إلى شمال العراق تحديداً نحو أربيل عاصمة أقليم كردستان، أقرب نقطة إلى الموصل لتوثّق معاناة الناس الذين يعيشون ظروفاً قاسية جرّاء المعارك، وقالت:" وصلنا إلى مدينة القيّارة حيث كانت الغازات السامة تغطي سماء المدينة، كثافة الدخان جعلتني أرى المشهد وكأنه يوم القيامة، بعد أن دمّرت عصابات داعش آبار النفط في المدينة".
 

سليمان الصغير
وتابعت:" انتقلنا من بيت مهجور إلى آخر، الرصاص كان يمرّ من فوق رؤوسنا ومن جانبنا، أدركت أنني ما زلت لم أحصل على الصور التي أريدها، وذهبت أبحث عن غايتي وأروي الجانب الإنساني الآخر من الحكاية، فوصلت إلى المستشفى الميداني في المدينة، هناك ذهلت من المجاعة القاسية التي يعاني منها الناس، عندها لمحت طفلاً رضيعاً يكاد يموت جوعاً، التقطت له صورة، كان اسمه سليمان، وكان الأطباء يحاولون جاهدين إبقائه على قيد الحياة، وبعد سنوات وصلتني رسالة من أحد الأطباء بأن سليمان يعيش اليوم مع أمه في أحد مخيمات اللجوء وهو بصحّة جيدة عندها هدأ شيء في داخلي".

وأكملت المصورة البريطانية كلير توماس حديثها عن صور الأشخاص التي علقت بذهنها حيث قالت:" أثناء وجودي مع الفريق الطبي في العراق التقطت صورة لسيدة اسمها ناديا أصيبت إصابة بالغة في ظهرها، وفي اللحظة التي أمسكت يدها نظرت إليّ وقالت - بلغة انكليزية بسيطة -: "أنا سعيدة أنكِ هنا.. وسعيدة بأننا أحرار".

الخيول تصهل في الحرب أيضاً
وتابعت كلير توماس: "بعد الانتصار على داعش، دخلت العراق في مشروع استعادة البنية التحتية التي دُمرت، عندها غادر معظم الاعلاميين والصحافيين المدينة، لكنني بقيت لاتابع سير عمل المنجزات التي تتحقق على الأرض ضمن برنامج الإعمار- أحد مشاريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وفي جولاتي لتصوير خطط الإعمار وإعادة شبكات الكهرباء والمياه، صادفت الخيول مرّة أخرى، حتى في الحرب وجدتُ نفسي محاطة بالخيل، وكان لدي فرصة لتصويرها من جديد".

منغوليا وصائدو الريح
واختتمت كلير حديثها عن رحلتها إلى منغوليا وبحثها عن قصص جديدة ضمن مشروعها (نظرة متعمقة بين الخيول والأشخاص) 2019، حيث قالت:" سافرت إلى منغوليا لالتقط صوراً للرجال وهم على صهوة خيولهم ممسكين بنسورهم الذهبية، سعيت لأقدم نمطاً تقليدياً عن حياة الشعوب، على الرغم من الاختلافات بيننا لكنني وجدت ارتباطاً في التواصل مع الخيل، وعلى عكس مشاهد الصراع حاولت تصوير ما يربط معاناة البشر بعضهم ببعض ويؤمن مستقبلاً رائعاً للأجيال".

وتابعت:" التصوير مسارٌ عادة ما يأخذنا إلى ذات المكان الذي انطلقنا منه، لقد أعادتني الخيل دوماً إلى منزلي، وأبقتني على اتصال بجذوري أينما كُنت، لكنّ الحرب لم تنتهِ بعد".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم