الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"ثقافة داير ما يدور": شباب مبدع يُحدِث تغييرًا إيجابيًا في المنطقة العربية

المصدر: "النهار"
"ثقافة داير ما يدور".
"ثقافة داير ما يدور".
A+ A-

تعمل مجموعةٌ مؤلّفة من 32 شابّاً مبدعاً وعدد من الهيئات من سبعة بلدان عربية على ردم الهوّة بين الثقافة والمواطنة والسياقات المحلّية، بدعمٍ من برنامج "ثقافة داير ما يدور" الإقليمي المموَّل بالشراكة مع الاتّحاد الأوروبي. يهدف أحد مكوّنات البرنامج، الذي يحمل عنوان "مبادرات ثقافية ومدنية يقودها الشباب"، والذي انطلقَ رسميّاً في نيسان 2021، إلى تعزيز الوصول إلى الثقافة وإحياء الحوار بين الثقافات عبر مشاريع فنّية مجتمعيّة قائمة على مبدأ التعاون ومنسجمة مع السياق.

وسارعَ شباب بين أعمار 18 و35 سنة من الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وتونس والمغتربين الليبيين والسوريين إلى تقديم مشاريعهم الإبداعية للمشاركة في البرنامج، من خلال 377 طلباً خلال شهرَيْن فقط من الدّعوة المفتوحة، ممّا يجعل الطلب على دعم المشاريع الثقافية أمراً مؤكّداً.

ويقول منسّق برنامج "ثقافة داير ما يدور" مهاب صابر إنّ "برنامج "مبادرات ثقافية ومدنية يقودها الشباب" استجاب لواقعٍ استخلصناه من تقييمات للاحتياجات ودروس مكتسبة من البرامج السابقة". وأضاف: "نحن نركّز بشكل أساسي على تعزيز منظومة حيويّة ثقافيّة، لا سيّما في المناطق المحرومة، إضافةً إلى تشجيع التنوّع والحوار بين كلّ الجهات الفاعلة الثقافية في المنطقة".

وينفّذ برنامج "مبادرات ثقافية ومدنية يقودها الشباب" الجمعية التونسية "الشارع فنّ" القائمة في قلب مدينة تونس، وهو يرتكز على أهمية وترابط الثقافة والمواطنة لتحفيز التغيير المستدام.

وشرحت كاميل هولتزل، المسؤولة عن مشاريع الرصد والتعاون في جمعية "الشارع فنّ" أنّ " العمل الثقافي بمفهومه الأوسع يمثّل أساس جمعيتنا. نحن نؤمن فعليّاً بقدرة الروابط البشرية والتوعية الإبداعية على إحداث تنمية اجتماعية-اقتصادية ودفع عجلة التغيير الإيجابيّ".

واختارت الجمعية 32 مشروعاً من مجموعة متنوّعة من المقترحات في مجالات الهندسة المعمارية والجغرافيا والإنتاجات السمعية البصرية والأزياء المستدامة والكتابة الإبداعية، انطلاقاً من تركيزها على التعاون والملاءمة السياقية والاستدامة.

 

إعادة النظر والتحديد والصياغة

من خلال نهج فريد مؤلّف من مرحلتَيْن، الأولى عبارة عن منحة بحثيّة ممتدّة من نيسان إلى تشرين الأوّل 2021، ومرحلة إنتاجية اعتباراً من العام 2022، يهدف برنامج "مبادرات ثقافية ومدنية يقودها الشباب" إلى تمكين الشباب من البلدان المختارة السبعة في المنطقة العربية لتنفيذ المشاريع الإبداعية من الألف إلى الياء.

وأشارَت كاميل إلى أن "هذا يعني إعطاءهم الفرصة من خلال الوقت والدّعم التقني والتوجيه، إضافة إلى المنحة، للتفكير في مشاريع قادرة على تحقيق أكبر أثر ممكن في مجتمعهم، وتصميمها وإنتاجها. لهذا السبب، تُعتبَر المرحلة البحثية مهمّة جداً".

بدورهم، أكّد المشاركون في البرنامج هذه الفكرة، إذ يشكون من قلّة الاهتمام بالأبحاث النظريّة في المنطقة.

من جهته، اعتبر محسن بشير (27 سنة) من تونس، والذي اختير مشروعه الوثائقي التصويري تحت عنوان "Thirst Republic" أو "جمهورية الظمأ"، أنّ "البرامج التي تقدّم لك الدعم خلال المرحلة البحثية" قليلة، بالرّغم من "أنّها أهمّ مرحلة".

وكان الشابّ التونسي المتخصّص في الهندسة البيولوجيّة أمضى حوالى ثلاث سنوات في الولايات المتّحدة، والتحقَ خلالها ببرنامج ماجستير في الفنون الجميلة لمدّة عامَيْن في جامعة ولاية واشنطن.

ويسعى محسن، من خلال مشروعه، إلى لفت انتباه الرأي العام وصانعي القرار إلى التحدّيات المتعلّقة بالمياه التي يواجهها سكّان "نفزة"، القرية النائية في شمال تونس، من خلال وثائقيّ تصويريّ يجمع بين الفنّ وعلم الأحياء المجهرية وتقنية الواقع المعزّز.

 

على الخطّ نفسه، تعترف الفنّانتان المغربيّتان إيمان جميل وفاتن عرفاتي بأنَّ اقتراح المشروع الذي قدّمتاه في كانون الأوّل 2020 تطوَّرَ كثيراً و"يختلف تماماً عن الصّورة التي في ذهننا الآن".

وقالتا: "وصلنا إلى طرفاية، وهي مدينة ساحلية في غرب المغرب، وفي ذهننا فكرة محدّدة جداً - مهرجان فنّي سمعيّ في موقع آثار المرفأ القديم - ولكنْ سرعان ما أدركنا أنَّ الفكرة غير ملائمة لواقع المكان".

بعد نقاشات طويلة مع الأصدقاء والعائلة - واللقاء المميّز وغير المتوقّع مع وزير الثقافة على متن رحلة إلى طرفاية - أعادت إيمان وفاتن صياغة مشروعهما ليخدم بشكل أفضل المجتمع المحلّي والبلد ككلّ. وبالفعل، تُخطّطان الآن للاستعانة بالمهرجان الترفيهي القائم على القصص كحدثٍ افتتاحي لمشروعٍ أكثر طموحاً: تسجيل جزء من آثار المرفأ القديم ضمن قائمة التراث الرسمي لدى وزارة الثقافة.

وأضافت إيمان: "في الواقع، لولا الفترة البحثية هذه، لكُنّا هدرنا الكثير من المال على أمور أقلّ فعّالية!".


الهويّة والوقائع المرتبطة بالأرض

اعتبرَ مؤيّد أبو أمونة، المحترف في مجال التواصل والسينما والمقيم في فلسطين، أنَّ فرصة التعاون مع زملاء شباب من خارج حدود بلاده أمر مهمّ للغاية. وأضاف: "ساعد هذا البرنامج على توفير بيئة نابضة بالحياة ومثمرة لنا جميعاً، نحن الفنّانون الشباب والعاملون في الثقافة، من أجل تنفيذ مشاريعنا وتبادل خبراتنا. أعتقد أنَّ هذا الأمر سيُساهم إلى حدّ كبير في إحداث تغيير على المستوى المحلّي لدينا، وضمن السياقات الأوسع".

يبحث مشروعه بعنوان "تأريخ" في قضية الشعب الفلسطيني قبل العام 1948 وما بعده، من خلال سلسلة من الأفلام التي تعرض المفاهيم المتداخلة حول التاريخ الفلسطيني والهوية الفلسطينية والسياقات الإبداعية المعاصرة.

وأمل  مؤيد أن تساعد استعانته بالفنون البصرية على نشر التوعية حول موضوع الأزمة ولفت الانتباه إليها: "آمل أن يقدّم هذا المشروع حلولًا ممكنة للمسألة المطروحة، حلولٌ يمكن عندئذٍ اعتمادها وتطبيقها من جانب المجتمعات المحلّية".

تُشكّل هذه المساءلة حول الهوية من خلال الوقائع المتعلّقة بالأرض هاجساً يتقاسمه كلّ المشاركين، الذين ترتبط مشاريعهم ارتباطاً وثيقاً بالسياقات المحلّية.

بالنسبة إلى طوني جعيتاني، المخرج والفنّان في المجال السمعي والبصري، الحائز على جائزة، والذي يعمل على مسلسل تلفزيوني عن لبنان ما بعد الحرب، "هذه هي الطريقة الحقيقية الوحيدة للابتكار، لأكون وفيّاً لسياقي ولبيئتي، عليّ أن أتكلّم عن موضوع يحرّكني ... موضوع يخصّني".

وأضاف: "بصفتي لبنانيّاً وُلد في العام 1992، كنتُ أسمع باستمرار قصصاً عن الحرب الأهلية. وبالرغم من أنّني لم أعشها، فإنّني حصلتُ على مئاتٍ من الروايات المختلفة عن الحرب. ولكنْ، لم أتمكّن من العثور على قصص عن الجيل ما بعد الحرب: الجيل الذي أنتمي إليه أنا".

لهذا السبب، قرَّرَ طوني أن يخبر ليس قصّته فحسب، بل "القصّة الأكبر" أيضاً، وليخلص إلى القول: "أحبّ فعلياً الفنّ المتشعّب وليس الفنّ المتقارب. فمع أنّه ينطلق من محيطي، إنّما يمكن أن يتحوّل ليصبح موضوعاً عالمياً بالفعل".

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم