الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"جذور" لناي طبّارة: الغربة المزدوجة (فيديو)

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
من الفيلم.
من الفيلم.
A+ A-

تواصل الهجرة كتابة تاريخ لبنان وقدر أبنائه. في فيلمها القصير بعنوان "جذور" (Frayed Roots)، تثير المخرجة والسيناريست اللبنانية الشابة، ناي طبارة، سؤالاً مؤلماً: هل يستطيع من هاجر أن يعود لوطنه الأمّ؟ إشكالية ذات وجهين، فـ"حين نستقر في الخارج، نكون مغتربين ومهاجرين. وعند عودتنا إلى الوطن، فنحن الأجانب الذين غادروا". كأن اللبناني، أينما حلّ، يبقى محاصراً بالغربة.

الفيلم الذي أنجز في عام 2020 ومدته 12 دقيقة، من بطولة فلافيا جوسكا بشارة، وثريا بغدادي المعروفة بندرة وانتقائية إطلالاتها. يروي قصة الشابة رايا التي عادت إلى لبنان لأول مرة منذ عشر سنوات، لحضور مأتم والدها. تصطدم بمواقف تجعلها تشعر بالغربة عن أهلٍ وبيئةٍ كانت تعتبرها وطنًا ذات يوم؛ "من الغريب أنه بمجرد أن تتخذ قرارًا بمغادرة وطنك، تصبح كأنك شخص مدان بتغيره، وستتوتر علاقتك بمحيطك. بصفتي امرأة لبنانية، كبرت وشاهدت الكثير من الأقارب الذين يأتون ويذهبون، وما يجمعهم دائمًا، ويفصلهم بطريقة ما في نفس الوقت، هو وفاة أحد أفراد الأسرة".

وتضيف لـ"النهار" أن "هذا الفيلم تجسيد للمخاوف التي واجهتُها بعدما غادرت لبنان. إنه مستلهم من النساء القويات في عائلتي اللواتي تحدين المحيط والتقاليد ودافعن عن خياراتهن وتحملن مسؤولية المستقبل".

الفيلم أشبه بحجر رُمي في بركة راكدة تعيد تحريك المفاهيم، على شكل حلقات تتواتر من الأضيق إلى الأوسع: الأسرة، الضيعة، الوطن، والعالم، عبر كل الأزمنة. الثابت بينها هو الشعور بالانقطاع عن الجذور.

 تتفاقم المشكلة حين يكون المغترب أنثى، حيث يحاول المحيط إخضاع المغتربة رايا لعادات وتقاليد جامدة، فيتدخل رجل الدين محاولاً تسوية الخلاف لكنه يصب زيتاً على النار. ويغيب عن الفيلم ظهور وجه نسائي داعم للبطلة، إنما تظهر عمتها كواحدة من أهم نتاجات هذه البيئة التي تسيء الظن بابنة أخيها وتؤجج الخلاف، ما يدفع رايا أخيراً للعودة أدراجها. في الفيلم صوت نسوي يرتفع ربما لرأب صدع حقيقي تعيشه مجتمعاتنا بين نموذجين نسائيين: العمّة المؤمنة بالتقاليد والمدافعة عنها، ورايا التي ظنّت بأنها خلال يومين ستتمكن من قلب المفاهيم السائدة ففشلت وابتعدت.

 البارز أيضاً، وجود وجه شبه كبير بين هذه القصة والتراجيديا بمعناها اليوناني الكلاسيكي، لنقل "مأساة" عابرة للأزمنة. فهي تنقل لنا ضمن رواية مدتها 24  ساعة  مأساة فرد واحد اجتمعت فيه وحده سمات البطولة، وفي إطار مكاني واحد، تماماً كما في التراجيديا. ويشي المضمون باستعارة مسترسلة بين "رايا" و"أنتيغون"، بطلة تراجيديا صوفوكل. نلتقط من الشخصيتين، صورة المرأة "الناحلة والشاحبة التي ترتدي السواد"، وفي القصة مهمة محددة: رايا تريد دفن والدها وأنتيغون تريد دفن أخيها، وتقف البطلتان بوجه العمّ الذي يمثل التقاليد والسلطة الأبوية، وتنتهي القصّة بانسلاخ أخير: البطلة الإغريقية تختار الإعدام واللبنانية تختار الهجرة.

تقنياً، يسجَّل للفيلم جودته في الصوت والتصوير، ويمتلك علامة بارزة في ظهور الممثلة ثريا بغدادي العريقة في الحضور والإقناع. في المقابل نلاحظ تقطعاً في السيناريو والانتقال غير السلس إلى المشهد الأخير، كأنه يؤكد على فكرة الانقطاع من خلال التماهي بين القصة ولغة الكاميرا. في هذا السياق، توضح المخرجة أنّ "كان أمامي ثلاث نهايات محتملة، اخترت منها التي تشبهني. بدأت أشعر بأن شخصياتي عادة لا تصل لمرادها، وأنّ النهايات تؤدي بها لاستنتاج غير متوقع".

 نال الفيلم دعمًا كبيرًا لدى تقديمه في العرض العالمي الأول للجمهور ضمن مهرجان Raindance Film الرائد في السينما المستقلة، وعُرض في مهرجان التعاون السينمائي العربي 2020 الشهر الماضي الذي يعطي صوتًا لصانعي الأفلام العرب نحو العالم.

في "جذور" صوت لبنانيات ولبنانيين كثر أُجبروا على إعادة تعريف الوطن. عواقب المسافة والهجرة حساب لا مفر منه. شباب يعيشون منذ الأزل غربة مزدوجة في لبنان وفي خارجه. غربة كالظل. لا ملجأ آمناً لهم ولا جذور حاضنة.

 

نبذة عن المخرجة: مخرجة لبنانية تقيم بين نيويورك وبيروت. قبل أن تسعى للحصول على درجة الماجستير في صناعة الأفلام في مدرسة Tisch للفنون بجامعة نيويورك في عام 2017، عملت ناي على نطاق واسع كمساعد مخرج في لبنان في العديد من الأفلام الروائية الطويلة الحائزة على جوائز- وأبرزها فيلم The Insult للمخرج زياد دويري (المرشح لجائزة الأوسكار لعام 2018).

 
للفيديو، اضغط هنا.
 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم