لبنان الحلم

 لا يزال لبنان حلمًا يدغدغ أفكار اللبنانيّين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم. ويقوم هذا الحلم على بناء دولة معاصرة تؤمّن، من خلال دستور واحد وقوانين موحَّدة، العيش الكريم لجميع اللبنانيّين والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات. لكنّ النزعة الفرديّة طغت على مصلحة الوطن، فراحت كلّ طائفة تتصّور هذا الحلم بحسب اعتقاداتها، وكلّ مذهب يتخيّله بحسب اقتناعاته، وكلّ حزب يتصوّره بحسب مبادئه. ومع ذلك ما زال الجميع يتكلّمون عن الوحدة الوطنيّة ويرغبون فيها أشدّ الرغبة، لكنّ كلّ فئة من هذه الفئات ترى ذاتها محور هذه الوحدة الوطنيّة، بحيث إنّ كلّ ما لا يخدم مصالحها تعدّه مناقضًا للوحدة الوطنيّة. سنة 1943 أُعلِن استقلال لبنان، وبعد 77 سنة، نتساءل: ما معنى هذا الاستقلال، في حين أنّ كلّ زعيم من زعماء هذه الطوائف والمذاهب والأحزاب مرتبطٌ بدولة خارجيّة يؤمّن مصالحها ويستفيد من خيراتها. فالاستقلال الوحيد هو، بحسب ما يبدو في الظاهر، المساحة الجغرافيّة التي يقع فيها لبنان ضمن حدود تفصله عن جيرانه. لكنّ هذا الاستقلال هو أيضًا استقلالٌ وهميّ، إذ إنّ جيرانه لا يعترفون به في الواقع، فيدخلون إليه، ويسرقون من خيراته، أو يحلّقون فوق سمائه متى شاؤوا وكيفما...