عندما أفرج إف. دبليو دوكليرك عن نلسون مانديلا بعد 27 عاماً من سجون جنوب افريقيا، لم يحتفل احد تقريباً بقرار آخر رئيس أبيض لآخر مستعمرة افريقية. الفائز هنا هو المناضل لا المستعمر التائب. وهو ايضاً الصورة الجماهيرية الجذابة والصوت الرخيم والشعر الجعدي الشائب والناحل المستقيم الكتفين برغم سنين الرطوبة والعتم. كان خالياً من ملامح البطولة، رجل أصلع، ربعيّ القامة، مائل الى السمنة، ولا يقدم في اي حال، سوى ما عليه أن يقدمه.إذاً، لم يكن دوكليرك شريكاً إلا في جائزة نوبل التي تناصفها مع الرجل الذي سمّاه والداه، نلسون. لماذا نلسون؟ لأن "العبيد" كانوا منبهرين بالمستعمر الأبيض. وكانوا يتسلحون على الأقل باسمه. كل حق آخر كان ممنوعاً عليهم. يولد الأسود بلا حقوق، حتى في ارضه وغابته.توقفتُ العام 1964 في الخرطوم في الطريق الى نيروبي لحضور احتفالات الاستقلال. فالرحلة من بيروت الى كينيا آنذاك، كانت محطتها الأولى القاهرة، ثم الخرطوم، ثم بلاد "الماو ماو"، إحدى أجمل بقاع الأرض. قمت في العاصمة السودانية المثلثة بزيارة صاحب جريدة "الأيام". ومما رواه، أن الجنوبيين يأتون الى العاصمة للعمل وهم من دون اسماء. وبعد فترة يختار واحدهم الاسم الذي يروقه سماعه: تليفون. حيط. بوليس. باص. وإذا سمعت في الشارع رجلاً ينادي على رفيقه فرحاً، يا تليفون، لا تعجب.أشهر أبطال افريقيا سمّوه اهله، نلسون. على اسم اميرال البحرية، المقطوعة ذراعه، مثل الجنرال غورو. لكن نلسون مانديلا اصبح محامياً، مثله مثل مواطنه غاندي. الأخير عاد الى الهند ليقود استقلال اكبر دولة في الأرض من حكم أصغر دولها، ونلسون بقي...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول