الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ساكنُ العزلةِ الطوعيّة ما الذي يتغيّر لديه في زمنِ العزلةِ الكوفيديّةِ القسريّة؟

المصدر: النهار
عقل العويط
عقل العويط
Bookmark
A+ A-
في زمن الكوفيد، ما الذي يتغيّر على ساكنِ العزلةِ الطوعيّة؟ لا أعتقد أنّ ثمّةَ أشياء كثيرةً تتغيّر، في كيفيّاتِ تواصُلِهِ مع العالمِ الخارجيّ. هو سيختصرُ هذا الخارج إلى بضعِ مسائلَ وبضعةِ أشخاصٍ واهتمامات. جلّ ما سيتغيّرُ، أنّه سيصيرُ يمعنُ، أعمقَ وأبعدَ، في الترحالِ الداخليّ، وتحتَ الإرغام، صوبَ لغاتٍ وأفكارٍ وأسئلةٍ وهواجسَ، ربّما لم يكن يوليها، في ما مضى، الإهتمامَ الكافي. كيف يعيش ساكن العزلةُ تحت وطأةِ الكوفيد؟ في النصّ الآتي، ما قد يلخّصُ رواياتٍ وأشعارًا مستقبليّة، هي، ولا بدّ، تحتَ سطوةِ الحبرِ الشافي.  يروي المعتزلُ أنّ العزلةَ هي انتماءٌ بالبداهةِ الشعريّة، بالطوعِ، بالرغبةِ، بالتوقِ، بالشغفِ، وبالعقلِ على السواء. الآن، بات يُضافُ إليها الإرغامُ القانونيُّ، الذي قد يوجّهُ انتباهَ المعتزل إلى ذاتِ الكينونة، وإلى لزومِ مساءلةِ معنى الكائنِ، وجدواه، وفاعليّته، والهشاشةِ الإنسانيّةِ المطلقة، تحتَ كتبِ الفلسفةِ الوجوديّةِ، والعبثِ العدميِّ الملازمِ لها. لا ضَجَرَ، لا مَلَلَ، لا تَذَمُّرَ، من جرّاءِ ذلك، ولا شكوى. بل انحناءٌ (رهبانيٌّ؟!) على المناطقِ المعتمة، مجلَّلٌ بالرواق، لاستجلاءِ مدفوناتِها وغوامضِها، وربّما مكبوتاتِها.  لكنّ هذا الإنحناءَ، بقصدِ الترحالِ الداخليِّ، الآنفِ ذكرُهُ، ليس سهلَ المنال، وليست الدروبُ إليه معبّدةً بل مفخّخة. وهذا أقلّ ما يُقالُ في وصفِ هذه المشقّة الكبرى. ذلك أنّ الكوفيدَ إرهابٌ مادّيٌّ ومعنويٌّ ونوعيٌّ غيرُ مسبوقٍ في الحياةِ اليوميّةِ (الطبيعيّة)، من حيث كونُهُ وباءً لا يزال غامضَ التكوين، ولم يتمكّن العلمُ، حتّى اللحظة، من كشفِ النقاب عن مسبِّباتِه. وعن المآلات التي ينحو في إتّجاهها الشرطُ البشريُّ برمّته. يحقّ للمعتزل طوعًا وقسرًا، أنْ يقول ما يأتي: وبتُّ، من جرّائِهِ، أخافُ من حالي. فأسأل: أيكونُ ثمّة مواضعُ فيَّ، قد تركْتُها من طريقِ الغلطِ المُفرِط، عرضةً لانتشابِ الوباء، أو أتكونُ ثمّةَ خلايا قد شرّعْتُها على الهواءِ المسموم، بحيث بات من المحتمل أنْ تعملَ مكوِّناتي البيولوجيّة الأوليّة، بعضها ضدَّ بعض، وتصطرع في ما بينها، من خلالِ تفاعلِها الكيميائيِّ الحتميّ، عبرَ أنسجتِها وأوعيتِها وقنواتِ اتّصالِها المشتركة الدقيقة؟ يقول المعتزلُ الساكنُ العزلةَ الطوعيّة، إنّ السؤالُ هذا، قد شَغَلَهُ خلال الفترةِ التي سبقتْ اندحارَ الهزيعِ الأخيرِ من الليلِ الأخير، فصار يتخيّلُ نفسه شاهدًا على الاصطراعِ الجسمانيِّ الخفيّ، الذي قد تعجزُ الحواسُّ عن استبصارِ حركاتِهِ وإيقاعاتِهِ، والإلمامِ بمنطقِ عملِهِ الأرعنِ والنزِق. من جملةِ المتخيَّلات، أنّ عينَيّ المعتزل، بسببِ اتّصالِهما الحتميِّ بالفضاءِ الخارجيّ، الحاضنِ الفيروسات، أصبحتْ نظراتُهما جزءًا لا يتجزّأ من كوزموسِ الوباءِ مطلقًا، فصار لزامًا عليه أنْ يوعِزَ إليهما عدمَ تسريحِ البصر، والاكتفاءِ بخفضِ الرموشِ، وبما قلَّ ودلَّ من مستلزماتِ الرؤيةِ للتنقّلِ في حدِّهِ الأدنى. أخطرُ ما...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم