ليسَ صحيحاً أن الأوطانَ لا تموت. يقتلُها أبناؤها بأيديهم. بالطبع لا تُدفَنُ كما الجثامين. الوطنُ فكرةٌ وشعورٌ وقشعريرة. عندما تفقدُ هذه الثلاثية في قلبِكَ فهذا يعني أن وطنَكَ ماتَ بغضِّ النظر أينَ يقعُ شاهدُ القبر. عندما تصبحُ الهجرةُ وطناً بديلاً والغربةُ حلماً ذَليلاً يموتُ الوطن. عندما لا يُضنيكَ الحنينُ القَتّالُ ولا تناديكَ العودةُ الوشيكَةُ اليه يموتُ الوطنُ أيضاً. موتُهُ متكرّر. الإنسانُ يموتُ مرّةً واحدةً أما وطنُه فيموتُ كلَّ يوم. ماتَ لبنان الذي نعرفُه لسببٍ إضافي أيضاً هو لأننا شعبٌ مَيت. هذا ليسَ فعلَ إنكارٍ ولا شهادةَ مُواطِنٍ عاقّ. ليسَ أصعبُ على الإنسان من أن يعلنَ وفاةَ أجملِ شَيْءٍ حدثَ له في حياتِه أعني مسقطَ رأسه. أن تشعرَ أنك لم تعد تنتمي إلى فكرةِ الوطن ولا تشعرُ بأيِّ عاطفةٍ تشدُّكَ اليه ولا تنتابُكَ أي قشعريرةٍ عند رؤيته. يمرُّ وطنُك أمامَكَ كل يومٍ مرورَ الكرام. يناديكَ فلا تَسمَع. يقعُ أرضاً فلا تلمَّه. تتظاهرُ وكأنك لا تعرفُه. تسيرُ في موكبِ جنازَتِه...

ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول