الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أين لبنان من صراع الأمم؟

المصدر: "النهار"
جيرار ديب
جيرار ديب
كورنيش المنارة (حسام شبارو).
كورنيش المنارة (حسام شبارو).
A+ A-
عندما أخبر رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، أثناء مؤتمر يالطا في شباط 1945، بأنّ بابا الفاتيكان قد أعلن الحرب على هتلر، أجابه ستالين ساخراً: كم دبابةً عند بابا الفاتيكان؟ هذا هو حال لبنان اليوم، فهو يقحم نفسه في صراع الأمم. ولكن كم يمتلك من القوّة ليستطيع التغيير؟
 
يعيش لبنان حفلة جنون بمسؤولين يقحمون أنفسهم في الاصطفافات بين الشرق والغرب، ويرقصون على أوجاع الناس، وعلى وقع موسيقى التغيير في المنطقة، بين قائدي الأوركسترا الغربي والشرقي. هذه الموسيقى ليست بجديدة على لبنان، ولا قائدَيها، ولا حتى الراقصين اللبنانيين الذين لطالما رقصوا على حافة الهاوية. فمنذ ثورة 1958 على الرئيس الراحل كميل شمعون، والأطراف اليسارية ذات الخط القومي – الناصري - السوفياتي، تحاول إجهاض خطّته بالانتساب إلى نادي الدول الغربي عبر حلف بغداد، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. فما التغيير اليوم في سياسة لبنان إقحام نفسه في لعبة الأمم؟ وماذا يحصد لبنان من حفلاته غير الاستيقاظ بعد السكرة على انهيار تلملمه دول راعية لمؤتمرات، تعيد صياغة دستوره ونظام حكمه من جديد؟
 
لن نعود في الزمان إلى تاريخ تأسيس لبنان، ولكن سنتوقف عند اتفاق الطائف. ألم يكن وليد حرب الآخرين على أرض لبنان؟ وماذا عن اتفاق الدوحة، ألم يأت بعد 17 أيار حرب الشوارع؟ وماذا عن اليوم، وعن الأصوات التي تعلو منادية بتغيير نظام لبنان. أليس من الأجدى أن يقعد اللبنانيون ويناقشوا نقاط الضعف في النظام لتحسينها، بدل الوصول إلى حائط مسدود من الانهيار، وبعدها تُعاد الصياغة؟
 
بين دعوة البطريرك الراعي إلى حياد لبنان، وتجنّب نيران الصراع في المنطقة، وانغماس "حزب الله" وارتباطه في مشروع يسمّى محور الممانعة، تمتدّ جذوره حتى إيران، المستندة هي أيضاً على الدعم الاقتصادي الصيني، والتحالف الروسي. وصولاً إلى المبادرة الفرنسية التي أجهضت رغم محاولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنعاشها، أو إحياءها من جديد. وبين التجاذب بين الرئاستين الأولى والثالثة، وما ينتج عنه من عدم تشكيل الحكومة، يتخبّط لبنان في انهيار اقتصادي يتسارع في وتيرته نحو الانهيار الكبير والتفلّت الأمني.
 
تتسارع الأحداث، وتعلو التصريحات من هنا وهناك، وتزداد الاهتمامات الدولية في هذا البلد الصغير الذي يكاد يكون منسياً. وكأنّ لبنان يمتلك عشرات الآلاف من الدبابات، كي يصبح ساحة صراعات دولية. فعلى ما يبدو بعد حسم الورقة السورية بيد الروسي، وإرساء معالم السنوات المقبلة لسوريا، توجّهت أنظار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لبنان، خاصرة سوريا الرخوة. ألم يردّد الرئيس الراحل حافظ الأسد مراراً وتكراراً "إن كان لبنان بخير، فسوريا بخير"! هذه العبارة، استلهم منها الرئيس بوتين ضرورة فرض الاستقرار في لبنان، بعدما عجزت المبادرة الفرنسية عن القيام بهذا الدور. فالشركات الروسية المنقّبة عن النفط والغاز في سوريا قد بدأت عملها. فقد وقّعت الشركتان الروسيتان "كابيتال ليميتيد" و"إيست ميد عمريت"، عقدين مع الحكومة السورية، للتنقيب عن النفط في البلوكين 1 و2 في البحر المتوسط في محافظة طرطوس السورية. لذا، كانت زيارة وفد "حزب الله" اللبناني لموسكو لمقابلة وزير خارجيتها سيرغي لافروف، الذي كان أكثر من حازم بالضغط على الأطراف للتسريع في عملية تشكيل الحكومة اللبنانية.
 
هذا الاستقرار المرجوّ من القيادة الروسية لحسن تدبير مصالحها في سوريا، كي لا تنعكس الفوضى المنتظرة في لبنان وتعيد إحياء الحرب السورية من الشمال اللبناني، يقابله موقف فرنسي لافت بمحاسبة المسؤولين في لبنان، والدفع بهم لتسريع عملية التشكيل وفق المبادرة الفرنسية.
 
أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس 18-3-2021، أنّ بلاده ستحتاج إلى "تغيير النهج والأسلوب في ما يتعلق بلبنان" خلال الأسابيع القادمة. وأضاف ماكرون أنّ فرنسا "ملتزمة أمن لبنان ولن تترك شعبه في مأزق". تأتي تصريحات ماكرون بعد يوم من إعلان مصدر ديبلوماسي فرنسي، أنّ على الأوروبيين والأميركيين زيادة الضغوط على الطبقة السياسية اللبنانية لتشكيل حكومة جديدة.
 
تأكيد الرئيس ماكرون، رافقته دعوة الاتحاد الأوروبي، فرنسا لتفعيل مبادرتها، ودفع المسؤولين في لبنان قبل الانهيار الكبير. إضافة إلى الجهود الفرنسية، تقف الإدارة الأميركية في دعمها عبر التوجّه إلى المسؤولين في لبنان، لإنجاز تشكيل حكومتهم وإنقاذ ما تبقى من وطن.
 
قد تلتقي المصالح وتتقاطع بين الغرب والشرق على أرض لبنان من بوابة تهدئة الوضع فيه. ولكن بالطبع لن يكون هذا محبّة بلبنان، بل هو من باب تأمين المصالح وعدم ترك هذا البلد ورقة تفاوض في يد الخصم. لهذا كان على المسؤولين في هذا البلد، حسن التصرّف والاستفادة من تركيا التي تدرك جيداً اللعب على الحبلين، الأميركي والروسي، لتأمين مصالحها وتوسعة نفوذها الاستراتيجي. هذا جلّ ما هو مطلوب من اللبنانيين. فبدل أن يكونوا أدوات تنفيذية بيد الآخرين، لمَ لا يستفيدون من تقاطع المصالح بين الشرق والغرب ويحصّنون ساحتهم الداخلية من الانهيار؟ فهم اليوم، قادرون على تحويل لعبة الأمم إلى فرصة إنقاذ، من جهة تحسين الاقتصاد المنهار، أو عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، أو ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، فضلاً عن قضايا أخرى أبرزها البدء بالتنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية الاقتصادية.
 
نُشر على "النهار العربي". 
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم