"اغسلوا بعضُكم أقدامَ بعض"

 إنّ علاقة الناس بعضهم ببعض كثيرًا ما تسودها سيطرة البعض على البعض الآخر. إنّه صراعٌ دائمٌ بين السيّد والعبد. ومتى أصبح إنسانٌ سيّدًا فيصعب عليه التخلّي عن سيادته، ولا يستطيع العبيد أن يتخلّصوا من نير العبوديّة إلاّ بالثورة على أسيادهم. وهكذا تستمرّ الصراعات بين الأفراد وتستمرّ الحروب بين الدول. جاء يسوع ليُدخِل إلى العالَم نهجًا جديدًا للتعامل بين البشر. ففي ليلة إقباله على آلامه الخلاصيّة، في أثناء عشائه الأخير مع تلاميذه، الذي توافق مع عشاء الفصح، يروي لنا إنجيل يوحنّا أنّه صنع عملاً جديدًا يقلب العلاقة بين السيّد والعبد. وهذا العمل يمهّد له الإنجيل بمقدّمةٍ تبيّن خطورة ما قام به. فيقول: "وقبل الفصح، إذ كان يسوع يعلم أنّ ساعته قد أتتْ لينتقل من هذا العالم إلى أبيه، وإذ كان قد أحبّ خاصّته الذين في العالم – بلغ به حبّه لهم حدّه الأقصى. فإنّه في اثناء العشاء – إذ كان إبليس قد ألقى في قلب يهوذا الإسخريوطيّ أن يُسلِمه. وكان هو يعلم أنّ الآب قد جعل في يديه كلّ شيء وأنّه من الله خرج وإلى الله يعود – نهض عن العشاء، وخلع عنه رداءه، وأخذ منديلاً ائتزر به، وصبّ ماءً في مِغْسَلٍ، وطفق يغسل أقدام...