"خمسة ونصّ"... لو "تشدشد" لما وقع

نقدّر طرح "خمسة ونصّ" إشكاليات منها المتاجرة بالمرضى ومأساة النفايات. ذلك قد يعوّض خواءات هنا، ومبالغات هناك. فعل المسلسل (كتابة إيمان سعيد، إخراج فيليب أسمر، "أم بي سي 4" و"أم تي في") كلّ ما في وسعه ليحذّر من الخديعة، وأخَذَ يلفّ ويدور حول حقيقة أنّ للبشر أكثر من وجه وللقدر أكثر من نيّة. وما بين سقوط الأقنعة والشأن السياسي، قصّص حبّ تؤدّي مهمة الإبرة المُنشّطة، كلما همد السياق، رفعت حرارته. ثلاثي البطولة، نادين نجيم، قصي خولي، ومعتصم النهار، أمام تجربة رمضانية معرّضة للأسئلة، على رغم الكاريزما. 

المسلسل صفحات تلمع، أكثر منه كلّ متكامل، من الجِلدة إلى الجِلدة. الماضي سيّد الأحداث وبوصلتها، كلّما أضاعت الاتّجاه، ردّها إليه، وتحكّم بها. خولي الرابح الأكبر بشخصية غمار الغانم. ذاكرته محور القصّة، وإحساسه بالذنب يشكّل مساراتها. ما المسلسل باختصار؟ كذبة كبيرة فحقيقة مُرّة. الحبّ فقّاعات صابون وضحك على الذقون. رشَّ العمل ما في خزائنه من بهارات للخروج بنكهات البهرجة. ورود بالدزّينة، شموع بالجُملة وعرس باهظ الأثمان، إلى أن انتهى كلّ شيء، وأُسدلت الستارة على بطل المسرحية. تصطدم تكاليف الإنتاج باهتزاز الأرضية السردية ومحاولة رأب الصدع بالتطويل والرتابة. تتحوّل نجيم في شخصية بيان، الطبيبة المُنقلبة حياتها، المٌصمّمة على الاستمرار في القضية، صندوق بريد للرسائل، ضدّ الفساد السياسي وإهانة الكرامة وتدمير البيئة، مُرسلة بنبرة وعظية ومضمون استهلاكي سريع. كأنّ الهدف أن يُقال: "هه، هذا المسلسل يعالج قضايا. هذا مسلسل الشعب". وفي الحقيقة، هو غير هذه الصورة. القضايا أشبه ببحصة تسند خابية. المحتوى رومانسي عنوانه الغرام والانتقام، وما يحرّك فضول الجمهور: الخيانة. هنا الزبدة، والباقي ملء نواقص. غمار أوهم بيان بالحب، وحين وقعت في حفرته، امتدّت نحوها يد جاد، حارس الزوج الشخصي، بطلها المنقذ. الخيانة على مستويين: الزوج والصديق. عصفوران بحجر واحد، فيقطع المسلسل أشواطاً إلى الأمام. لكنّها خطى خافتة، لولا أداء نجيم للشخصية بوجعها وخيباتها، ولولا المستور خلف شخصية الغانم، والمُنتظر من العاشق الصامت.

هل هو الدور الإضافة لنادين نجيم؟ لا. مرور رمضاني ترفعه بأدائها إلى مستوى الاستحسان، لكنّه ليس من الصنف الفارق في المسيرة. شخصية مغلّفة بردّات فعل تراوح ما بين الصدمة والتمسّك بالموقف، تقدّمها بمسؤولية مهنية. هذا عالم المصالح وما تحلو تسميته اليوم "البزنيس"، الرؤوس الصغيرة تتدحرج تحت أقدام الرؤوس الكبيرة، وما يُحاك في السرّ أخطر بكثير مما يخرج إلى العلن. يحاول المسلسل ألا يكون محض كليشيه من نوع يحبّها وتحبّه ولا يبقى من الحبّ سوى الأكذوبة. شخصيات كسوزان الغانم (رلى حمادة المتألقة) تُكمل المعادلة. كلّ المسلسل تقريباً في كفّ وعلاقتها بغمار جونيور في كفّ أخرى. رأفته عليها في مقابل صدّها، وإذعانها شيئاً فشيئاً لمشاعر الجدّة في داخلها. لا يُعتبر العمل سيئاً لكنّه ليس من الأفضل. يدغدغ أحاسيس الباحثين عن سلوكيات امرأة جميلة طُعنَت في قلبها، وحين استفاقت وجدت نفسها مضرّجة بدمائها. كما في كلّ مرة، الحبّ نجاة من الضربة القاضية، لكنّ الثمن سيكلّف غالياً. يوظّف المسلسل كلّ أوراقه لإمساك المُشاهد من اليد التي تؤلمه. ينجح حيناً ويُخفق حيناً. الكاريزما أقوى عناصر التركيبة. النصّ لو "تشدشد" ومال نحو العمق، لعوّض نواقص كثيرة. الإنتاج الباهظ لا يكفي.

اقرأ للكاتبة أيضاً: خالد القيش "عميد" رمضان بخمس نجوم

fatima.abdallah@annahar.com.lb

Twitter: @abdallah_fatima