النهار

من التيه إلى القدس
A+   A-

أنا. وأنت. 

وجدّك.

وجدّك يعاني من فقدان الذاكرة.

وكان المفروض أن تعتني به. أنت. وكان المفروض أن هذا مشوارنا نحن، أنا وأنت.

وهذه البلدة القديمة دهاليز وشعاب، مكتظة بالشقاء. تفوح بالصمود. نسمع شهيقها وزفيرها، نمشي في شوارعها الضيقة، فأتذكر أصابعك حين كانت تداعب جنون شعري الأجعد.

نتوقف أنا وأنت، كل عشر خطوات، لأن جدّك انسال علينا كذاكرة قديمة، جديدة. تمسك بيدي، نبحث عنه. نجده. تفلت يدي.

جاءتك مكالمة. همستَ بغموض: سأذهب. عندي مشوار.

وذهبتَ. وطال غيابك. وجدّك معي، وأنا لا أعرف ماذا أفعل به.

تمشينا.

كتب بخطواته رسائل كثيرة تطلب الغفران من كل سكان المدينة، نصفهم الثاني من الأحياء والنصف الأول في المقابر في انتظاره. في انتظارنا.

وتحدثنا في أمور ضاعت. ضائعة.

يضيع جدّك. أجده. ويضيع. يقع هاتفه من جيبه، ويتصل بي أحدهم ليقول إنه وجده. الهاتف. والجدّ: كان كمالك الحزين ضمن مجموعة أجداد خلعوا أسنانهم كي يلتهموا بشغف لا ينسى، بوظة بالشوكولا.

أتصل بك. لا تردّ. وأنا لا أستطيع أن آخذ جدّك إلى البيت، لأن الجميع سيسألني، فكيف سأخبرهم أنه جدّ حبيبي؟

دهرٌ، وأنا وجدّك في مقهى، على شارع ضيّق، في انتظارك. ندخن الغبار. نتأمل كيف يقتحم الظلام استدارات حصى الأرصفة. نراقب هذا العالم كأنه سيجيب عن تساؤلاتنا.

كيف أصبح جدّك، جدّي؟

*العنوان هو أيضاً عنوان لكتاب من تأليف والدي أنيس القاسم، نشره في العام 1965، أستخدمه هنا بإذن منه طبعاً.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium