السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

شاب مصري يقتل صيرفياً في المصنع ويسرق أمواله! والشرطة القضائية توقفه

المصدر: "النهار"
العميد أنور يحي- قائد الشرطة القضائية سابقاً
شاب مصري يقتل صيرفياً في المصنع ويسرق أمواله! والشرطة القضائية توقفه
شاب مصري يقتل صيرفياً في المصنع ويسرق أمواله! والشرطة القضائية توقفه
A+ A-

قرابة الساعة التاسعة من صباح 22 كانون الأول سنة 2007، دخل أحد زبائن محل الصيرفة، الكائن في محلة المصنع، والذي يملكه أحمد قاسم الخطيب من بلدة مجدل عنجر، لتبديل عملة لبنانية بعملة سورية، فشاهد رجلاً ممدداً على الأرض والدماء تسيل من رأسه، فصرخ طالباً النجدة. نقل صاحب المحل، أحمد الخطيب، الى مستشفى البقاع بحالة حرجة ليفارق الحياة بعد أربعة أيام متأثراً بإصابته بطلق ناري في رأسه. حضرت القوى الأمنية بسرعة الى مكان الحادث، وتمكن عناصر الأدلة الجنائية من ضبط مظروف رصاصة مسدس عيار 6,35 ملم وقبعة غريبة مرمية على الأرض كتب عليها كلمة (Amsterdam) فأرسلتا إلى المختبرات الجنائية في الشرطة القضائية كأدلة تفيد التحقيق.

نظم أهالي المجدل أكثر من تظاهرة إلى مكتب محافظ البقاع في زحلة وقطعوا الطريق الدولية، مطالبين بكشف الجاني بالسرعة اللازمة وإنزال عقوبة الإعدام به، عقاباً على مقتل ابن بلدتهم، أحمد الخطيب.

حدد الطبيب الشرعي، الذي عاين الجثة في المستشفى، أن الإصابة حصلت قرابة الساعة 8:30 من يوم 22-12-2007 برصاصة من مسدس عيار6,36 ملم أطلقت من مسافة لا تتعدى 10 سنتم من صدغ الضحية وتسببت بالوفاة.

قامت مفرزة زحلة القضائية بجمع المعلومات والاستماع إلى الشهود وجمع الأدلة من كاميرات وآثار في مسرح الجريمة وشهود. ولم تسفر هذه الإجراءات عن نتنيجة إيجابية على الرغم من تحركات الأهالي ومطالبتهم بسرعة توقيف الجاني.

كلف قائد الشرطة القضائية العميد أنور يحيى، فريق عمل من مفرزة التحري في زحلة برئاسة العقيد ماهر الحلبي، ووضع بتصرفه التجهيزات التقنية والأدلة الجنائية والمختبرات ووثائق مكتب التحقق من الهوية للمساعدة في كشف الجاني.

كشفت إحدى الكاميرات الموضوعة أمام مدخل صيدلية قريبة من مكان الحادث، عن توقف سيارة مرسيدس، غواصة، خضراء اللون، أمام مدخل المحل، وترجُّل شاب منها، ليعود بعد عشر دقائق ويستقلها مغادراً المحلة.

النائب العام الاستئنافي في البقاع، القاضي عبد الله البيطار، أشار بختم المحل بالشمع الأحمر وتكليف المفرزة القضائية بالتحقيق وجمع الأدلة ومخابرته لإعلامه بالنتائج.

بدأ رجال التحري في زحلة بالتفتيش عن السيارات من نوع مرسيدس غواصة، خضراء اللون في منطقة زحلة والجوار.

كما سطر استنابات الى الجمارك والأمن العام "لإعلامنا عن حركة دخول وخروج السيارات والأشخاص من وإلى سوريا يوم 22 كانون الأول، يوم وقوع الحادث".

أفاد شقيق المغدور الخطيب عن فقدان عملات مختلفة من المحل تقدر قيمتها بحوالى عشرة آلاف دولار أميركي.

أكد أحد المخبرين السريين الذين يعملون لصالح الشرطة القضائية، مشاهدة سيارة المرسيدس الغواصة الخضراء، ذات الزجاج الأسود، في محلة زحلة بعد ظهر يوم الجريمة.

وبالتدقيق في الأدلة المجموعة، تبين لرجال التحري عدم حرفية الجاني، بدليل ترك قبعة ومظروف رصاصة المسدس في مسرح الجريمة؟

 بعد حوالى أسبوع، تبين أن الشاب المصري محمد تيمور م. 20 سنة، والذي يحمل الجنسية اللبنانية أيضاً، بالتجنّس، قد استأجر سيارة مرسيدس غواصة خضراء اللون من مكتب تأجير سيارات لصاحبه سيزار العاشق في زحلة قبل يومين من وقوع الجريمة. داهمت دورية من المفرزة منزل المشتبه به، وطاردته في محلة كسارة، حيث كان يقود سيارة بيجو مستأجرة أيضاً. واقتادوه مع سيارته الى المفرزة، وبدأوا التحقيق معه، فأنكر محمد دخوله محل الصيرفة في المصنع يوم الحادث وأنه استأجر المرسيدس الغواصة، ولا علاقة له بالجريمة.

جرى تحليل اتصالاته يوم 22 كانون الأول، ولم يتبين إجراء أي اتصال أو حركة من هاتفه في محيط الجريمة. وأنكر معرفته بالقبعة التي ضبطت في مكان الحادث، ما جعل مهمة التحري أكثر تعقيداً؟.

أجريت تحاليل الحمض النووي (DNA) على بعض الشعيرات التي استخرجت بتقنية عالية من القبعة، فطابقت الحمض النووي للشاب محمد الذي استمر بإنكار أي علاقة له بجناية قتل الصيرفي!.

أجريت تحاليل مخبرية لمعرفة ما إذا كان المشتبه به يتعاطى المخدرات، فجاءت النتيجة إيجابية لجهة تعاطي الكوكايين والحشيشة. واعترف محمد بإدمانه تعاطي المخدرات منذ أكثر من سنه مع رفاق له. جرى استدعاؤهم، وأجريت التحاليل المخبرية لهم، فثبت تعاطيهم المخدرات، وأوقفوا بناءً على إشارة القضاء المختص.

اتصل العقيد ماهر الحلبي بقائد الشرطة القضائية العميد يحيى وأفاده بالنتائج، فانتقل فوراً الى مفرزة زحلة للإشراف شخصياً على التحقيق الميداني، وإيلاء الأهمية اللازمة لهذه الجريمة الخطرة التي زرعت الذعر في أوساط التجار.

أجريت التحقيقات مع المشتبه به بحضور المحامي العام الاستئنافي في البقاع القاضي عمر حمزة. وبعد مواجهته بالأدلة المتكونة لدى التحقيق اعترف بقتل المغدور يوم 22 كانون الأول 2007، وأن العملية نفذت على النحو الآتي:

توجه صبيحة يوم الجريمة بسيارته المستأجرة، مرسيدس غواصة خضراء اللون، ناقلاً مسدساً حربياً عيار35،6 ملم من دون ترخيص، اعتاد أن يحمله لاعتقاده بأنه مغطى من قبل بعض النافذين، وترك هاتفه الخلوي الخاص في منزل أمه التي يعيش معها، مصطحباً هاتفها الخليوي، وكان يحتاج الى المال لتسديد ديون متراكمة عليه ثمن مخدرات، ولصاحب مكتب تأجير السيارات، ومن ثم يقصد سوريا للقاء أصدقائه. توقف أمام محل صيرفة، يبيع بوالص تأمين للسيارات اللبنانية العابرة إلى سوريا، لشراء بوليصة. وبعد أن سجل صاحب المحل المعلومات المطلوبة على قسيمة البوليصة، وقبل أن يدفع له محمد ثمنها البالغ 35 دولاراً أميركياً، تبين للصيرفي عدم وجود لوحة أمامية لسيارة المرسيدس الغواصة، فنبهه إلى ضرورة وضعها وإلا فسيُيمنع من العبور الى سوريا. خرج محمد وثبت اللوحة، وهذا ظاهر في تسجيلات الكاميرا المنصوبة أمام الصيدلية القريبة. ثم دخل لينقد الصيرفي ثمن البوليصة. رأى محمد رزمات من العملة السورية والدولارات الأميركية أمام الصيرفي الذي تسلم المبلغ وفتح الدرج ليودعها، فسحب محمد مسدسه الحربي الذي كان يخفيه تحت سترته، وأطلق رصاصة واحدة قريبة من صدغ المجني عليه الذي سقط أرضا خائر القوى. فجمع محمد الأموال المتكدسة أمام الصيرفي وخرج بسرعة منطلقاً بسيارته المرسيدس.. لم ينتبه لسقوط القبعة المكتوب عليها كلمة Amsterdam إلا بعد دقائق من خروجه، وخاف من العودة لإحضارها. التقى رفاقه، وسدد بعض ديونه، ثم توجه الى شقة يستأجرها في محلة كروم زحلة، لتعاطي المخدرات ولقاء الفتيات والأصحاب، خبأ المسدس وقسماً من الأموال المسروقة وأكمل لهوه.

اعترف محمد أنه كان ينوي سرقة المال من دون قتل الضحية، وأن أطلاق النار كان لشل حركته وليس قتله كما أفاد!! رافقت دورية من المفرزة المشتبه به إلى محلة الكروم في أعالي زحلة، وأحضرت كمية من الأموال المسروقة والمسدس الحربي الذي أودع مكتب الأدلة الجنائية لمطابقة الخرطوشة الفارغة والمضبوطة من مسرح الجريمة...فجاءت النتيجة إيجابية.

أطلع قائد الشرطة القضائية في مؤتمر صحافي في المفرزة، وسائل الإعلام المرئي والمسموع على نتائج التحقيقات التي لاقت أوسع ارتياح لدى الرأي العام في البقاع.

جرى نزع الأختام عن محل الصيرفي، بقرار من النائب العام، حيث تحقق رجال التحري من وجود قسيمة لبوليصة التأمين على سيارة مرسيدس غواصة باسم رضا محمد تيمور م.، لبناني، بتاريخ 22-12-2007.

بتاريخ السابع من كانون الثاني 2008 وبحضور النائب العام الاستئنافي الأستاذ عبدالله بيطار، جرى تمثيل الجريمة وسط تدابير أمنية مشددة بعد ورود معلومات أكيدة بأن أهالي المجدل سينتزعون الجاني من رجال التحري وينفذون فيه حكم الإعدام ثأراً لدماء قريبهم أحمد الخطيب، كما حدث للشاب المصري الذي قتل أربعة ضحايا في كترمايا. وقد جرى تأجيل الموعد أكثر من مرة، لكن، وبمؤازرة من الجيش اللبناني، مثّل القاتل جريمته النكراء، بسرعة بعد إنقاذه من تدافع الأهالي الغاضبين للثأرمنه لمقتل ابن بلدتهم.

رفع مخاتير مجدل عنجر كتاب شكر إلى دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ فؤاد السنيورة يثنون فيه على حرفية وشجاعة ومثابرة رجال التحري لكشف جريمة نكراء هزت المجتمع البقاعي لاسيما قطاع الصيرفة، والتي أدت الى مصرع أحد أعضاء النقابة البارزين، وطالبوا بتنفيذ حكم الإعدام بحق القاتل في المكان نفسه الذي ارتكبت فيه الجريمة. كما نوهت نقابة الصيارفة بإنجاز رجال التحري بإماطة اللثام عن الجريمة التي استهدفت الأمن الاقتصادي والاجتماعي في البقاع.

وأصدر وزير الداخلية والبلديات، الأستاذ حسن السبع، تهنئة خطية للعميد أنور يحيى، قائد الشرطة القضائية، والعقيد ماهر الحلبي، آمر مفرزة زحلة القضائية وعناصره الذين ساهموا في القبض على مرتكب جريمة قتل الصيرفي أحمد قاسم الخطيب يوم 22 -12-2007 في محلة المصنع، البقاع.

بدوره اللواء أشرف ريفي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي، أصدر تنويهاً بأعمال قأئد الشرطة القضائية وجميع الضباط والرتباء والأفراد في الوحدة الذين برهنوا عن كفاءة عالية في عملهم من خلال كشفهم العديد من الجرائم المرتكبة وتوقيف مرتكبيها وتسليمهم إلى القضاء، لا سيما جريمة قتل الصيرفي في المصنع يوم 22-12-2007.

إن المصداقية والثقة بين المواطنين والشرطة ترتكز على التحلي بالكفاءة المهنية والمثابرة المستمرة والابتعاد عن الفساد والرشوة وتنفيذ مبدأ الثواب والعقاب، وفرض محاسبة دقيقة على أعمال العناصر، وتعاون الأجهزة في ما بينها. فإن كانت الشرطة لا تتمكن أحياناً من منع ارتكاب الجرائم في سياق مهامها كضابطة إدارية تهدف الى منع وقوع الجرائم، فإن ممارسة دورها كضابطة عدلية مساعدة للنائب العام بالتفتيش عن الأدلة والتعرف إلى هوية الجاني وتوقيفه بسرعة، يُكسبها ثقة المجتمع، ويعيد هيبة الدولة، ويؤكد أنها العين الساهرة على حياة الناس وحماية ممتلكاتهم.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم