السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"تركيا، ديبلوماسية القوة الناهضة" لجنى جبور \r\nكلّ الأوراق مطروحة لتحقيق المأرب الاستراتيجي

هدى الراعي
"تركيا، ديبلوماسية القوة الناهضة" لجنى جبور \r\nكلّ الأوراق مطروحة لتحقيق المأرب الاستراتيجي
"تركيا، ديبلوماسية القوة الناهضة" لجنى جبور \r\nكلّ الأوراق مطروحة لتحقيق المأرب الاستراتيجي
A+ A-

صدر بالفرنسية عن المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا (CNRS) كتاب "تركيا، ديبلوماسية القوة الناهضة" (345 صفحة)، للدكتورة جنى جان جبور، وهي باحثة في مركز العلاقات الدولية في باريس (CERI)، وأستاذة في معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف.
يتناول الكتاب مسألة الدول الناهضة وموقعها في النظام الدولي إنطلاقاً من تحليل دقيق للتجربة التركية كنموذج، من العام 2000 الى العام 2015. ميزة هذا الكتاب أنه يخرج عن التحليلات التقليدية التي اختصرت في معظمها فترة حكم "حزب العدالة والتنمية" بمحاولة إحياء للعثمانية الجديدة أو الانحياز الى نهج إسلامي في الحكم. فتركيا الناهضة، تسعى في نظر المؤلِّفة، قبل كل شيء الى تأمين موقع على الخريطة الإقليمية والدولية يتناسب مع قدراتها وطاقاتها وتاريخها وطموحاتها. من هنا، يأتي مشروع "النهوض التركي" ليلعب كل الأوراق التي يمكن أن تحقّق مآربه. في رأس الأولويات يأتي النهوض الاقتصادي الذي شكّل نقطة فارقة في التاريخ التركي الحديث. فبفضل سياسة التصحيح البنيوي حقق الاقتصاد التركي منذ تسلم "حزب العدالة والتنمية" الحكم في تركيا في الثالث من تشرين الثاني العام 2002، سلسلة من الإنجازات اللافتة حيث نجح في الخروج من عنق الزجاجة بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت به بداية الألفية الثانية. وساهمت هذه الإنجازات في أن تحتل تركيا مرتبة متقدمة في ترتيب الاقتصاديات على المستوى العالمي. رفد هذا النجاح الاقتصادي وجود قائد كاريزمي عرف كيف يُمسك بزمام الأمور في الداخل ويعمل لتصالح داخلي، مع سعي جدّي لحل مشكلة الأكراد المزمنة، وإلى جانبه مخطِّط استراتيجي هو داود أوغلو صاحب نظرية الانفتاح على البلدان العربية تحت مقولة "صفر مشاكل مع الدول المجاورة"، الذي عرف كيف يُبرز الدور المركزي لتركيا في كتابه "العمق الاستراتيجي". هنا ترى الكاتبة أن هذه السياسة ليست هدفاً في حدّ ذاتها وإنما وسيلة لبلوغ هدف أكبر، ألا وهو تحقيق موقع إقليمي يمكّن تركيا من اللعب في ساحة الكبار. في استكمالٍ لهذا المشروع، أتت المراهنة على الإسلام السياسي ومحاولة استقطاب حركات ودول، وهو التوجّه الذي جسّدته قضية أسطول الحرّية أو "مافي مرمرة" لكسر الحصار المفروض على غزة، الذي أبرز تركيا في دور المدافع عن القضايا الإسلامية. ومن عناصر مشروع النهوض أخيراً، اللجوء الى ما يُعرف بـِ"القوة الناعمة" من مسلسلات وإنتاجات سينمائية تُبرز عظمة التاريخ التركي وتجربة تركيا الحداثوية الرائدة، وإنشاء مراكز ثقافية ومراكز لتعليم اللغة التركية، بالإضافة الى التوسّط في النزاعات الكبرى، والمساهمة في مشاريع تنموية في الخارج مما جعلها تحتلّ المرتبة الرابعة من بين الجهات المانحة في العام 2013 بعد الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. هذه التجربة التي عرفت نجاحات لافتة في بداياتها، اصطدمت بدءاً من العام 2010 بالحوادث التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، ولا سيما بالأزمة السورية، فبدأت تهتز وتتراجع، وانعكس الأمر اضطرابات في الداخل، وعدم استقرار في الخيارات الخارجية.
ما يجدر ذكره أن الكاتبة تبنت في هذا الكتاب، بالإضافة الى اعتماده على مراجع عديدة، باللغات الفرنسية والانكليزية والتركية والعربية، نهج الاستقصاء الميداني، فأقامت في تركيا لفترات طويلة، ولجأت الى استبيانات الرأي في بلدان عربية عدة لتبيان الصورة الحقيقية للتجربة التركية من الخارج، وأجرت أكثر من 150 مقابلة في تركيا ومصر وكردستان العراق ولبنان وقطر والإمارات العربية وايران وفرنسا، مع ديبلوماسيين وجامعيين ورجال أعمال وفاعلين في المجتمع المدني لرصد صورة تركيا في الشرق الأوسط، وخصوصاً تغيّر نظرة العرب الى تركيا. من هنا، يمكن اعتبار هذا الكتاب، كما يقول البروفسور برتران بادي في مقدمته، نقطة تحوّل في الدراسات التركية المعاصرة، كما هو إضاءة على الدور المحدود الذي يمكن أن تلعبه الدول الناهضة بشكل عام في النظام العالمي الجديد.
تخلص الكاتبة الى أن التجربة التركية كدولة ناهضة، تفتح الباب واسعاً على التساؤل حول طبيعة النظام الدولي الذي لم يعد في إمكانه الخضوع لتحكّم نادٍ صغير من الأوليغارشيين الذين يستبعدون الضعفاء، ويتنكرون لمتطلّبات المجتمعات، ويتجاهلون المطالبات بالعدالة التي تنبثق عن عالم جديد تتزايد فيه الجهات الفاعلة وتتنوّع. ذاك أن إفساح المجال أمام قوى إقليمية فاعلة لكي تلعب دورها وتخلق توازناً جديداً في العلاقات الدولية لا بد أن يؤدي الى حاكمية عالمية أكثر عدلاً يمكنها أن تخفّف من حدّة الأزمات المطروحة في القرن الحادي والعشرين.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم