السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

ماهي الأبعاد العميقة لتلويح نصرالله بضرب مفاعل ديمونا؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
ماهي الأبعاد العميقة لتلويح نصرالله بضرب مفاعل ديمونا؟
ماهي الأبعاد العميقة لتلويح نصرالله بضرب مفاعل ديمونا؟
A+ A-

في اوائل عام 2008، وفي ذروة الانقسام والصراع الداخلي والتساجل بين "حزب الله" و"تيار المستقبل"، سرت في الاوساط السياسية مناخات فحواها ان الحزب اجرى مناورة عسكرية واسعة لقواته شملت القسم الاكبر من الاراضي اللبنانية.


بالطبع، أخذت هذه المعلومة تفسيرات وتأويلات لافتة في ذلك الحين، ولاسيما بعدما راجت معلومات عن ان الحزب يوجه رسالة الى خصومه، وبالتالي فان ما بعدها ليس كما قبلها. لكن الرئيس فؤاد السنيورة شاء ان يطمئن فريقه ويخفف دويّ الحدث وصداه، فأطلق تصريحاً مفاده ان المعلومات التي وصلت اليه من الاجهزة المعنية تفيد ان ما أُشيع عن مناورة الحزب غير صحيح وانه عبارة عن "محاكاة على الورق" .
البعض استعاد هذه الواقعة بشقّيها (فعل الحزب ورد السنيورة) اول من امس وهو يستمع الى مضامين خطاب الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، ولاسيما دعوته الاسرائيليين الى المسارعة في تفكيك مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب لان صواريخ الحزب قادرة على بلوغه والفتك به. وعليه برز سؤال: هل يمكن اعتبار هذا التهديد المكشوف وغير المسبوق من سيد الحزب الى العقل الاسرائيلي الخائف اصلاً مناورة على الورق، او محاكاة نظرية تندرج في اطار حرب الاعصاب وعملية عض الاصابع المستمرة بين الطرفين منذ زمن بعيد، ام انها بداية مرحلة جديدة في سياق هذا الصراع ؟
المعلوم ان حماوة الصراع بين الطرفين ما خبت لحظة، وهو صراع مخابراتي تارة (اغتيال قياداته وكوادره ومحاولات اختراق جسم الحزب او قواعده وبيئته الحاضنة)، وصراع إرادات تارة اخرى، حيث ان الحزب يبعث برسائل متعددة تكون عادة مستورة يراد منها اعادة لعبة الصراع بينهما الى قواعده المألوفة، ومنها ايضا انه على اهبة الاستعداد للذهاب الى الابعد والاخطر عبر الايحاء بانه يمتلك مفاجآت وقدرات غير مرئية وليست مدرجة في قائمة الاحتمالات لدى العقل العسكري الاسرائيلي، وهو ما أشار اليه السيد نصرالله.
ومما يرفع منسوب الاثارة ان ثمة اعتبارات ووقائع ميدانية وسياسية فرضت نفسها بقوة على المشهد الاقليمي المتصل بهذا الصراع في الاشهر السبعة الاخيرة وفتحت باب التساؤلات والتأويلات، وفي مقدمها وفق قراءة جهات على صلة بالحزب:
- ان تلويح السيد نصرالله بضرب مفاعل ديمونا الذي هو احدى اوراق القوة لدى تل ابيب، واطلاق الدعوة الى تفكيكه، أتى مباشرة عقب اعلان اسرائيل عن تفكيك خزانات الامونيا في ميناء حيفا، اي الخزانات التي هدد نصرالله ذات يوم بضربها وتحويلها الى ما يوازي فعلا قنبلة نووية، وهو ما اخذته اسرائيل على محمل الجد، وشكّل بالنسبة الى الحزب عنصر قوة.
لذا فان نصرالله ذا الخبرة العميقة بطبيعة اسرائيل وما يوجعها، اراد بكلامه اول من امس ان يعيد الاسرائيلي الى مربع الرعب الاكبر.
- ان التصعيد الى مستويات غير مسبوقة من جانب سيد الحزب له في المضمر اهداف وغايات اخرى. فمنذ فترة ترصد دوائر المتابعة في الحزب نوعا من حرب تهويل اسرائيلية متدرجة ومتدحرجة ضد الحزب بدأت على شكل حملة عنوانها العريض تضخّم ترسانة صواريخ "حزب الله" وتجاوزها رقم المئة الف صاروخ، ومن ثم الاثارة الدائمة لخطر وصول صواريخ استراتيجية كاسرة للتوازن الى ترسانة الحزب من الداخل السوري.
وفي السياق عينه، جاء انفلات حبل حملة تأويلات وتحليلات اسرائيلية عنوانها ان قوة الحزب آيلة الى تضخم غير مسبوق. واخيرا وليس آخرا القاء الاضواء على مسألة الدخول المحتمل لمقاتلي الحزب الى المستوطنات الاسرائيلية المتاخمة للحدود مع لبنان، وتحديدا في اصبع الجليل. كان ذلك بطبيعة الحال مصدر ثقة واعتداد بالنفس وبفائض القوة عند قواعد الحزب، ولكن كان له لدى قيادة الحزب المتخصصة بموضوع الصراع مع الكيان العبري مبعث توجس، اذ اعتبرته حلقة في سياق حرب تخفي وراءها ما تخفي. لذا كان الحزب مضطرا الى الرد مرارا على لسان امينه العام لكي يقطع الطريق على محاولات اسرائيلية هدفها السعي الى إقناع الاسرائيليين بان المحاولات جارية على قدم وساق لاستيعاب خطر الحزب الواضح والكامن.
- ان الحزب يدرك تماما انه مع وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض والتصريحات الاستفزازية التي ادلى بها تباعا ضد ايران والحزب وتلويحه باجراءات وخيارات اكثر تشددا من سلفه ضد سوريا، وتقاطع كل ذلك مع الكلام الاسرائيلي المتصاعد ضد الحزب، اشتدت الحاجة الى رد حازم وجازم من جانبه ينطوي على استخفاف بكل الكلام الاميركي من جهة وعلى رغبة في الايحاء لمن يعنيهم الامر بان الحزب جاهز لكل الاحتمالات واقصاها، ومنها التهديد بضرب مفاعل ديمونا في العمق الاسرائيلي، وهو أمر لم يجرؤ اي مسؤول عربي على التصدي له.
- من البديهي ان الحزب لم يشأ ان يكون كلام سيده بمثابة تهويل، لذا أتى الكلام مباشرة بعد تطورات واحداث ميدانية عملانية متتالية بدأت بتجربة ايران لصاروخها الباليستي في اختبار قوة ترافق مع وصول ترامب واطلاقه تهديداته، ومنها ايضا تحركات في الجنوب شاءها الحزب خفية لكن صداها بلغ مسامع الاسرائيليين وانظارهم.
واجمالا، فان السيد نصرالله شاء من خلال كلامه هذا ان يبعث برسالة متعددة الوجه فحواها ان عليكم اعادة النظر في كل حساباتكم، وثمة براهين على انها ليست تهديدا او محاكاة على الورق.


ibrahim [email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم