السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الصوفية في خطر

الياس فرحات
A+ A-

يوم السبت في 12 تشرين الثاني 2016، في وقت انشغل العالم بأسره بنتائج الانتخابات الأميركية، أقدم شاب ينتمي إلى تنظيم الدولة الاسلامية "داعش "على تفجير نفسه بحزام ناسف في فناء مقام شاه نوراني في بالوشستان – باكستان، بعدما دخل بين جموع الصوفيين.


الصوفية بطرقها المتعددة من الرفاعية والنقشبندية والقادرية والشاذلية والدسوقية والسعدية والخاتمية والجيلانية وغيرها من أسماء مألوفة بات يحملها العديد من الناس في العالمين العربي والاسلامي، شكلت علامة روحية سامية ومميزة في الإسلام.
على رغم أن طقوسها ليست عبادات واجبة في الإسلام، فإنها كانت عاملاً لتهذيب النفس والزهد والتقشف والتعلق بالله، وهذا ما خلق لها مشاكل مع السلطة في العالم الإسلامي، لأن بعض الخلفاء والسلاطين خافوا من كثرة التعبد لله على حساب سلطانهم، ومنهم الخليفة العباسي المقتدر الذي أعدم العالم الصوفي الشاعر الحلاج بتهمة الزندقة. وشاعت الطرق الصوفية في أنحاء العالم الاسلامي وباتت قبور ومقامات الأولياء الصالحين الصوفيين مزارات. وكان فقهاء السلطة ينعتون الصوفيين بالزنادقة، وفي ذلك هدر لدمائهم.
في القرن التاسع عشر، بعدما دخلت أوروبا الاستعمارية البلدان الإسلامية في الهند والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واجهت مقاومة من زعماء وطنيين كانوا ينتمون إلى طرق صوفية مثل الجزائري وعمر المختار. وفي مطلع القرن العشرين، وبعد سقوط الامبراطورية العثمانية، ظهر "الإخوان المسلمين" في مصر، ومن عقيدتهم العداء للصوفية، وتبعهم السلفيون الذين لا يخفون عداءهم للصوفية. وكانت القيادات المناهضة للاستعمار الاوروبي بغالبيتها دينية صوفية، كان الصراع بين الإسلام والغرب واضحاً. لكن مع مطلع الألفية الثالثة، بدأت الحرب على الإسلام تُشن من داخل الإسلام نفسه. وبعد تقديم النموذج "القاعدي" للإسلام في 11 أيلول 2001، تشوهت صورة الإسلام بشكل كبير وازدادت تشوهاً مع استمرار الأعمال الارهابية لـ"القاعدة" وظهور "داعش" وفظائعها.
لم ينفع الحديث عن النزاع السني الشيعي في السيطرة على العالم الإسلامي لان الوجود الشيعي بين مسلمي شمال افريقيا وتركيا والهند والجزر الأندونيسية وآسيا الوسطى محدود جداً، وهناك وجود قوي وتاريخي للطرق الصوفية. فبدأت الحملة على الصوفية من "الإخوان المسلمين" كحملة دعوية، لكنها مع "القاعدة" و"داعش" اتخذت منحى العنف والقتل وإراقة الدماء ولاحقت التنظيمات الإرهابية الصوفيين في باكستان والهند وآسيا الوسطى والقوقاز وتركيا (مع بعض الفوارق، جماعة غولن ينتمون إلى الطرق الصوفية تعبدياً، ويرى البعض في غولن خليفة للمفكر الإسلامي الكردي – التركي بديع الزمان النورسي الذي توفي عام 1960 وأخفت السلطات رفاته حتى لا يتحول ضريحه مزاراً).
اليوم الصوفية في خطر. إنها حركة روحية تعبدية لا تدعو إلى العنف وهي ليست تابعة لدولة ولا تنتهج خطاً سياسياً ولا تتمتع بحماية دول إقليمية أو عالمية، ولم يسبق لأحد أفرادها أن ارتكب عملاً عنيفاً ضد آخر انطلاقاً من مبادئها وممارساتها. ومع تكرار هذه العمليات الإرهابية يمكن القضاء على الحركات الصوفية بالقوة والدماء، لكن الاسلام كدين محبة ورحمة للعالمين والذي يدعو كما جاء في القرآن الكريم "إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، هو الذي أصبح مهددا فعلاً بصعود تيارات تحرض على الكراهية والعنف وتدعو إلى القتل، وسط صمت الحكومات الإسلامية ودعم بعضها. كم من مقتدر وكم من حلاج.


عميد متقاعد

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم