الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في الصمت... لغة

روجيـه ضاهريـه
A+ A-

عندما أرغب في الكلام، أصمت. وعندما أتقن لغة الكلام، أصمت.
الصمت، فنٌّ، من يتقنه لا يخفق أبداً في تحقيق مراده، في أيّ ظرف كان، أو موقف، أو زمن. فالصمت لغة، مثل لغات العالم، تضيفها الى رصيد معرفتك.
يقول وليم هنريت: "الصمت فنّ من فنون الكلام".
من بلغ النضج العقلي ولديه الحكمة الكافية من الخبرة، تكلّم صمتًا. بربِّكم، هل من أحد ندم على صمته أم على كلامه؟
إن لغة الصمت هي لغة العظماء، فهي لغة أقوى وأبلغ من الكلام. هو العلم الأصعب من علم الكلام، فالصمت هو ما يصعب على الكلّ تفسيره، وهو أفضل جواب عن كلّ سؤال. والصمت أيضًا هو لغة الضعفاء الذين يخافون الكلام والذين رضخوا لواقعهم. فهو يجمع بين طيّاته أضداداً، قليلها سلبي وكثيرها إيجابي.
الصمت يمدّك بطاقة قويّة، فيستكين تفكيرك، ويغوص الى أعماقه، تدخل الى أحداثك، ويكون تركيزك في إجاباتك أقوى وأنقى وأصفى، ويمنح عقلك قوّة عظيمة لا مثيل لها، يجعلك تسيطر على من هم أقوى منك، ترغمهم على الإفصاح عما يجول في داخلهم. وفي معظم الأحيان الصعبة، يولّد الاحترام، يدمّر أسلحة من تتشاجر معهم.
الصمت يعلّمك فنّ الإصغاء والإستماع الذي يفتقده معظم الناس. يقال: هو الحلّ الأمثل للمشاكل الزوجيّة التافهة. عندما يصمت شريكك، أصمت، فيتساءل عن السبب ويبدأ الكلام.
لا بدّ من لزوم الصمت أحيانًا ليسمعنا الآخرون (غلاسكو)
أصمت عندما يتحدّث البحر بصوت أمواجه، وحين يبتسم الطفل، وينمو غصن جديد على شجرة عتيقة، أو يغرّد عصفور.
أصمت عندما يكون الصمت هو اللغة الوحيدة للتفاهم في جوّ يسوده الكلام الفارغ والآراء المختلفة والعنجهيّة الفكريّة.
أصمت، عندما أجد أن الحديث في المجتمع هو حديث مملّ، ولا نتيجة من متابعة الكلام، فالنقاش مع الطرف الآخر لا يجدي نفعاً.
أصمت عندما أرى المبادئ الأخلاقيّة تشوبها الشُبهات وتتأثّر بكل الظروف وتنهار.
أصمت عندما أعرف الكثير، وحرصاً على ألاّ أجرح مشاعر غيري.
أصمت حين يعجز الكلام عن التعبير.
قيل إن الصمت بالنسبة الينا يعني عدم الكلام، غياب الصوت لا أكثر... إنه كوب فارغ من أي محتوى... هل حقاً نعرف ما هو الصمت؟ إنّ أحداً منّا لم يختبر تجربة الصمت الحقيقي ولم يعشها حقاً... الصمت هو بعدٌ آخر... إنّه أبعد من أيّ حدود، ولا يمكن أن يوجد إلا في غياب الفكر... الصمت هو لغّة الوجود. الأشجار صامتة، ولكنها ليست ميتة أو فارغة. إنها تتمايل مع النسيم عازفة أعذب الألحان...
الصمت صوت خفيّ يغمر كيانك... إنه موسيقى أثيريّة تعزفها روحك المطمئنة على القيثارة الأبديّة التي وهبك إياها الله، وتنتقل على أوتارها معبّرة عمّا ينبض به قلبك من أحاسيس ومشاعر رحيمة تفوق كلّ الكلمات، فتجد اللغة عاجزة عن التعبير عنها.
عظمة الصمت تكمن في عدم امتلاكك للصمت... إنه ليس ملكيّتك، لأنّه يتملّكك منذ الولادة.
أن تكون محاطًا بجسدك وعقلك وأفكارك وكل ما تحويه من خوف وقلق وفلسفات، لن ولن تجد ذلك الصمت، أنت تبتعد عنه، تبتعد عن ذاتك.
الصمت هو الوعي، وعندما تكون واعياً، تختفي الأفكار... تذوب الأنا، الحواجز والشخصيّة المزيّفة، فلا يبقى شيء... أنت غير موجود، لقد تحلّلت في الوجود، فقط تذكّر أن الله معك... يراك، يسمعك، يحميك... عندها ستصمت لأنك تعلم الحقيقة وستشعر بآلاف النعم تغمرك... لقد تعرّفت الى نفسك، والآن أنت تتعرّف الى ربِّك.
هل أحسستم يومًا بألم الصمت؟... ماذا تفعلون إذا كنتم لا تستطيعون التغلّب على نقطة ضعفكم التي هي صمتكم عندما يساء اليكم؟
إن الحرف الصامت هو كلام إنساني ينتج بإغلاق كامل أو جزئي للسبيل الصوتي العلوي، الذي هو الجزء الواقع فوق الحنجرة من السبيل الصوتي.
إن لغة الصمت تفوق لغة الكلام، وتفوق عدم الكلام.
لغة الصمت تطحن عظام الأقوياء، وتحملك بطيّاتها بعيداً من كلّ تافهة يمكن أن تنطق بها. ففي لغة الصمت سموّ نحو الخالق. كلّ ما عليك أن تعرف متى تتكلّم ومتى تصمت.
يستوقف ذهني سؤال: هل أعلّم أولادي لغة الكلام أم لغة الصمت؟، في وطنٍ لا حول فيه ولا قوّة.
أم أعلمّهم كيف يثورون بكل اللغات؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم