السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أهل الذمّة وجنرال المثالثة

هاني النصولي
A+ A-

أول من عليهم تفهّم مطالب المسيحيين اليوم برفع التهميش السياسي عنهم هم مسلمو لبنان الذين عانوا عقدة الغبن منذ نشأة دولة لبنان الكبير عام 1920 لحين اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975. فقد أدى استئثار نظام "المارونية السياسية" بالامتيازات الى خلل فاضح في توزيع السلطة والثروة والفرص بين أبناء الوطن الواحد، ليشعر المسلمون في حينها أنهم بمثابة "أهل ذمة".
بعد مرور 55 عاماً من النضال السياسي، وبعد اكتمال "حزام البؤس" حول العاصمة بيروت من فقراء السنّة والشيعة، أيقن المسلمون استحالة نيل حقوقهم بالطرق السلمية، فاندلعت حرب أهلية دامت 15 عاماً، رافقها انقسام الجيش اللبناني في آذار 1976.
بقرار عربي ودولي، عُهد الى الرئيس رفيق الحريري تنفيذ بنود اتفاق الطائف 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية. وبسبب علاقة الحريري المميزة بالعاهل السعودي الملك فهد، كانت له شبكة علاقات سياسية واسعة وإمكانات مالية هائلة وظفها لخدمة لبنان، ومكنته أن يكون شخصية ذات تأثير فعّال حتى ضمن الدائرة المحيطة بحافظ الأسد.
فور تسلم بشار الأسد الملف اللبناني من والده حافظ عام 1995 بدأ الاعداد لإنهاء نفوذ الحريري في سوريا وتقليصه في لبنان. تمّ إقصاء أو تصفية كل النافذين من أصدقاء الحريري داخل النظام السوري واحداً تلو الآخر، أمثال عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي وغازي كنعان؛ ثم بالترهيب فرض الأسد على المجلس النيابي اللبناني عام 1998 انتخاب الرئيس اميل لحود الموثوق به جداً من النظام السوري.
قاوم الحريري بصلابة هجوم بشار الأسد، وخاض الانتخابات النيابية عام 2000 من دون التنسيق مع سوريا محرزاً نصراً شعبياً عريضاً، فاتضح للأسد وحلفائه أن التخلص من "الحريرية السياسية" غير ممكن بالوسائل السياسية، لذلك صدر القرار باغتيال مؤسسها وجاء التنفيذ في 14 شباط 2005 بعد أن سبق ذلك توعّد الأسد بتكسير لبنان على رأس الحريري عام 2004.
أثبتت نتائج انتخابات أيار 2005 مرة جديدة ان "الحريرية السياسية" رغم اغتيال مؤسسها لم تُهزم، فكان القرار بتوجيه ضربة عسكرية لها على يدّ "حزب الله" وحلفائه. فاجتيحت العاصمة بيروت في 7 أيار 2008 حيث طوقت السرايا الحكومية ومنزل الرئيس سعد الحريري، كما أحرقت ونهبت المؤسسات والوسائل الإعلامية التابعة للحريري، عندها أيقن سنّة لبنان أنهم أصبحوا مع حلفائهم "أهل ذمة" بين مطرقة سلسلة الاغتيالات السورية وسندان آلة حرب "حزب الله" العسكرية!
في حين أسقطت "المارونية السياسية" ذاتها حصيلة تحجّرها السياسي ونزاعات قادتها الدامية؛ اصاب "الحريرية السياسية" الارهاق بعد اغتيال مؤسسها الرئيس رفيق الحريري، إضافة الى افراط قادتها في الرهان على الدولة "غير المكتملة النمو" لحماية جمهورها من تعديات "حزب الله" وتهديداته المتكررة و"أيامه المجيدة"!
لذلك يعتبر سنّة لبنان أنهم ومسيحيو 14 آذار هم "أهل ذمة" حقيقيون، ويستغربون تحميل "الحريرية السياسية" مسؤولية قضم حقوق المسيحيين أو تهميشهم، خصوصاً أن تلك الاتهامات صادرة عن الجنرال عون، الحليف اللصيق بـ"الشيعية السياسية" المستأثرة حالياً بمعظم مفاصل السلطة وخيراتها، إضافة الى امساكها بقراري الحرب والسلم، كما شهد اللبنانيون في حرب تموز عام 2006.
يبدو ان المجتمع المسيحي بدأ يتلمس عدم صدقية مواقف الجنرال عون المتناقضة والمتقلبة، تارة بإصداره كتاب "الابراء المستحيل" الذي تحول بسحر ساحر الى "الابراء الممكن" بعد أن لوّح له الرئيس سعد الحريري بعدم الممانعة في ترشيحه لرئاسة الجمهورية؛ وطورا بزج المسيحيين في نزاع مع الجيش اللبناني والنيل من سمعة قائده بغية إرضاء عائلة عون وأصهرته، تحت ستار الدفاع عن حقوق المسيحيين.
بجرأة تمرّد المجتمع المسيحي على الجنرال عون، وتركه وحيدا في الشارع ولم يماشه في وصف الرئيس تمّام سلام بـ"الداعشي الذي يهين المسيحيين". لقد تبين ذلك من هزال التظاهرة التي دعا اليها الجنرال أمام السرايا الحكومية حيث لم تتجاوز المئة والخمسين متظاهراً. لذا على الجنرال عون ومسيحيي 8 آذار معاينة صحة طروحاتهم وصدقيتها، قبل ان يتدنى رقم المتظاهرين الى ما دون الخمسين، وقبل أن يصف التاريخ ميشال عون بجنرال المثالثة!


هاني النصولي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم