السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

حجر الوجه

عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

كان ينبغي لي أن أرى وجهكَ منحوتاً على حجر، لاستدركَ ما فاتني من وجهكَ، أمزجته وخفاياه.


وكم كان ينبغي لي أيضاً، أن أرى وجه أمّكَ منحوتاً، هو الآخر، في وضعيتين، لأستعيد أوصاف الشعر الأمّ التي تؤنس مواهب الألوهة والخلق، كما رحابات النزق والتأويل.
ليس لي أن أصفكَ. فأنتَ ميشال بصبوص. وأنتَ تصف نفسكَ بنفسكَ؛ خصلة شعر متروكة في المهبّ الذكيّ اللذيذ، وعينين زائغتين في الأفق تستجليان الأشكال والمعاني، ونبرة الريفي الرائي شكلَ البرّ والبحر، حيث لا شيء يُدرَك بالحسّ، ويكتفي، بل يستنجد بغوايات العقل ومآلاته.
ليس لي أيضاً أن أصف يديكَ اللتين تصنعان السحر الماجن أو الرائق. ربما أستطيع أن أسألهما كيف ترتكبان ما لا يُستجلى بسوى الذهول وجموح اللمس المتودّد. وكم تراءى لي، في ما مضى، أنكَ قد تكون تُزاحِم جنوناً للعاديين من البشر أن يفتتنوا به، أو أن ينوؤوا تحت وطأته.
قد أكون أجنح قليلاً وكثيراً، عندما إزميلكَ يفبرك الغيوم التي من حجر وبرونز وحديد وألمنيوم وخشب، وسوى الترّهات التي كلما شاءت أن تستدعي شكلاً، انصاع لها، كما ينصاع القلب لمُفتِنه بالوجد، وللمزاج الذي يتخذ حجماً ليرتوي بالهواء.
خالق الأشكال والأحجام والفضاءات، يا لكَ صانعَ هواء ينتشي، ولا يكفّ، تماماً كما لا يُستحسَن وصفٌ أو تشبيه.
فهل توصف نشوةٌ لعدمٍ، لحجرِ، لإزميلٍ، لخشبٍ، وللمواد كلّها، وللفضاءات، والأحجام، عندما يتّحد الناحت بالمنحوت، وعندما تختلي نشوة الأول بنشوة الثاني، حتى ليصير الكلّ كائناً أرحب من كلّ شكل وحجم ومعنى؟
أأكون مجحفاً، والحال هذه، إذا قلتُ إن معرضكَ قليلٌ عليكَ؟ أأكون مكتفياً؟ وإذا اكتفيتُ، وإذا استرضيتُ نفسي بوجهكَ، وبوجه أمّكَ، وبتلك الراقصة التي أغوتني بشيءٍ يشبه الشبق الشيطاني، أو إذا استرضيتُ حواسي بلحظات الجنس الماجن الذي نوماً جامحاً على منبسط، أو وقوفاً ثنائياً على انغراف، فكيف لي أن أقنع عينين مثل عينيَّ بأن تكتفيا، وهما تضيقان بالوجود كلّه، فكيف لا تضيقان بمعرض؟!
لم يتسنَّ لي أن أصافحكَ كثيراً. كنتُ، بعدُ، في المطلع الفتيّ جداً، عندما رأيتُكَ للمرة الأولى. كنتَ تنتحي متكأً ما، في غمرة الصخب الذي يعتري المكان. ولم تشأ سوى أن تقبّلني على رأسي علامة الرضا. وقد اقتبلتُ كأسكَ التي دنت لتؤاخي تلك التي في يدي.
لن أنسى أنني مررتُ بـ"البيال" مرّتين، قبل أيام، وكم مررتُ في القَبْل القديم براشانا، وبالهواء المفضي الى اختلاء العبقرية بفضائها. فمثل هذا وذاك، تكون ذكراه في المطلق.


[email protected]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم