الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

تركيا ستحتفظ بإدلب... وتؤسّس ميليشيات في لبنان؟

المصدر: النهار
سركيس نعوم
سركيس نعوم
رجب طيب أردوغان.
رجب طيب أردوغان.
A+ A-

شهدت العلاقة بين مصر وتركيا تدهوراً كبيراً بعد إطاحة ثورة شعبية واسعة في الأولى رئيسها المنتمي الى "جماعة الاخوان المسلمين" محمد مرسي بدعم من جيشها والرجل القوي فيه الضابط الكبير عبد الفتاح السيسي. فرئيس الثانية رجب طيب أردوغان المؤمن بفكر هذه "الجماعة" والمستخدِم حضورها الواسع في العالمين العربي والاسلامي كما في العالم الأوسع اعتبر الاطاحة المذكورة انقلاباً هدفه المباشر أو غير المباشر قطع طريق تأسيس "حكم اخواني" قوي في مصر قادر على التأثير في الدول العربية وشعوبها المسلمة في غالبيتها وتالياً على إقامة سدٍ أمام طموحاته السلطوية فيها. فضلاً عن أنه استفظع الطريقة التي قمع بها السيسي قبل وصوله الى رئاسة دولته وبعده "الاخوان" الذين رفضوا الثورة – الانقلاب في رأيهم وقاوموها باعتصامات وتظاهرات شعبية مؤيّدة لهم، التي سالت فيها دماء كثيرة. كما استفظع الاستمرار لا في اخضاعهم بل في العمل المباشر لاستئصالهم من المجتمع المصري. وفي ذلك خطرٌ عليه وعلى المستقبل الطموح لبلاده تركيا التي اعتبرت "الاخوانية" جسراً قوياً يمكّنه من توسيع القواعد الشعبية المؤيّدة له بين العرب والمسلمين. ومصر ليست مثل أي دولة عربية أخرى بل هي الكبرى ديموغرافياً وهي التي مارست الزعامة العربية أيام الراحل جمال عبد الناصر، وأيقظت الآمال النائمة للعرب، وخيّبت في حينه "الاخوان المسلمين" الذين كان فكرهم البيئة الحاضنة للتنظيمات الاسلامية التي انتشرت في المنطقة العربية والدول الاسلامية غير العربية ثم العالم فأخافت الجميع. علماً أن تحميل هؤلاء وحدهم مسؤولية هذا التطوّر السلبي قد لا يكون دقيقاً وزعيمها ثم رئيسها السيسي وجد نفسه مضطراً لمتابعة قمع "الاخوان" ولا سيما بعدما ضرب مصر الإرهاب الإسلامي المتشدّد والتكفيري رغم معرفته أنهم في البداية لم يلجؤوا الى العنف المنظم، لكن الظروف والمداخلات جعلت الإسلاميين كلهم في موقع واحد رغم الاختلافات في ما بينهم. إلا أن هذه العلاقة المتوترة والخصام المستمر بين القاهرة وأنقرة بدا أخيراً أنها قد تتجه نحو الهدوء رغم استمرار تدخل الاثنين عسكرياً مباشرة وبالواسطة في ليبيا حفتر والسرّاج. في هذا المجال تفيد معلومات المتابعين أنفسهم أوضاع تركيا من أبنائها كما من أجانب عرب ومسلمين وغير مسلمين أن التوتر بين أنقرة والقاهرة قد يخفّ. فالأولى أرسلت سفيراً مقيماً لها الى الثانية، وأعلنت بأكثر من وسيلة أن لا موقف عدائياً لها من مصر. كما أنها شاورتها في موضوع الحدود البحرية التي دفعتها الى توقيع اتفاق مع ليبيا السرّاج وحاولت إقناعها بأن من شأنه، الى ضمان الحقوق التركية، ضمان الحقوق المصرية أيضاً. كما أنها عرضت التعاون معها في هذا المجال. وتفيد أيضاً أن رئيس حزب الشعب التركي المعارض لأردوغان وحزبه يجري اتصالات حثيثة مع القيادة المصرية، وأن تحضيراً يجري لزيارة نائب رئيسه القاهرة في وقت غير بعيد. ويجري الإعداد حالياً لبرنامج زيارته التي سيشتمل على اجتماع بينه وبين وزير خارجية مصر ووزير آخر مهماته اقتصادية وتنموية، وربما يكون له لقاء قصير مصوّر مع الرئيس السيسي. من شأن ذلك تقوية الانطباع بأن العلاقة بين الدولتين الكبيرتين العربية والتركية بدأت تسير على طريق الاستقرار. في هذا الاطار يلفت المتابعون أنفسهم أن ذلك ما كان ليتم لولا تفاهم بين الرئيس أردوغان وحزب الشعب، لأن مشروع استعادة الحقوق الوطنية التركية يؤيّده الأتراك كلهم كما ورد في "الموقف هذا النهار" يوم أمس. وتفيد المعلومات إياها ثالثاً أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد تشهد قريباً انفراجاً واسعاً. فالعلاقات بين الدولتين كانت دائماً موجودة وظاهرة، ومع أردوغان وبسبب سياساته الفلسطينية ضعفت بعض الشيء وربما تكون اقتصرت على التعاون المخابراتي الذي لم يتوقف ولن يتوقف. ربما تشهد هذه العلاقات مزيداً من الانفراج في مستقبل غير بعيد، والتعبير عنه سيكون تبادل زيارات علنية بين مسؤولين في الدولتين.

ماذا عن العلاقات بين تركيا أردوغان وروسيا؟ تفيد المعلومات نفسها أن الأولى أقرب الى الثانية منها الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا سيما بعد التوتر الشديد الذي أصابها جراء إسقاط الدفاع الجوي التركي طائرة حربية روسية بذريعة خرقها المجال الجوي للدولة. طبعاً لا يعني ذلك أن أنقرة وطهران ستذهبان الى الحرب. فذلك أمرٌ يقرب من المستحيل في رأي الدولتين وقيادتيهما. إذ أن هناك قرار منهما بعدم الاصطدام عسكرياً وباعتبار الحرب الطاحنة التي جرت بينهما من زمان طويل والتي قرّر خلالها الأتراك التخلّي عن ضرب الدولة الصفوية التي نشأت في إيران، قد انتهت ولن تتجدّد. كما أنهما تمارسان تبادلاً تجارياً وتعاوناً اقتصادياً و... إلا أن علاقتهما ستبقى باردة. وتفيد المعلومات أيضاً أن تدخل تركيا عسكرياً في شمال العراق ضد مقاتلي "حزب العمال الديموقراطي الكردستاني" PKK لا تخاف منه إيران على العراق الذي تسعى الى جعله دولة تدور في فلكها رغم الصعوبات التي تواجهها من حلفائها الشيعة كما من رافضيها السنّة والأكراد. فهو يضعف الأكراد وفي ذلك مصلحة للدول الثلاث وقد أثمر إذ دفع غالبية مقاتلي الحزب المذكور الى الانتقال الى المنطقة التي يسيطر عليها أكراد سوريا، بحيث لم يبق في العراق (جبال قنديز) إلا نحو 500 مقاتل. طبعاً يعزز ذلك الاتجاه نحو حصول الأكراد على حكم ذاتي في سوريا عندما يحين أوان الحل النهائي لقضيتها. كما أنه يساعد على تخفيف حدة المعركة بل الحرب المزمنة بين تركيا وأكرادها. وربما يساعد ذلك حزب الشعوب الديموقراطي (الكردي) الذي يقوده ديمرطاش في العودة الى النشاط السياسي بشيء من الحرية داخل تركيا. أما لبنان فإن معلومات المتابعين أنفسهم تفيد أن في تركيا يقيم ألوف عدّة من اللبنانيين وأن بعضهم حصل على جنسيتها، وأن في لبنان ألوفاً (ربما 50 ألفاً) من مواطنيه من أصول تركية كما أن هناك تعاطفاً بين جمعيات إسلامية عدّة مع أنقرة وأردوغان وحزبه. هذا فضلاً عن "الجماعة الإسلامية" (اخوان) المؤيدة لهما والموجودة في لبنان بقوة جديّة يُحسب لها حساب نظراً الى تنظيمها وانتشارها في المناطق السنّية وإن على نحو غير شامل. وتفيد المعلومات أيضاً أن تدخل تركيا أردوغان في لبنان سيستمر ويزيد، وترجّح أن تكون لها "ميليشيات" فيه أعضاؤها لبنانيون. وإذا حصل ذلك فإنه يعني أن أزمات لبنان الى تصاعد. لكن هل يعني ذلك أن لبنان ساحة لتركيا ووسيلة وأن أهدافها الاستراتيجية ستكون في مكان آخر؟ الجواب الآن هو ربما. أما في سوريا فإن دورها سيكون استراتيجياً أو بالأحرى فإنها لن "تخرج من مولدها بلا حمص" كما يُقال، إذ ستحتفظ تركيا بإدلب وربما المنطقة المحاذية لها. وهي تسيطر على الاثنتين بالتنظيمات الاسلامية البالغة التشدّد وبوجودها العسكري فيهما.

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم