الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كتاب مفتوح الى الرئيس ماكرون

المصدر: النهار
حياة أبو فاضل
حياة أبو فاضل
ماكرون في القصر الجمهوري
ماكرون في القصر الجمهوري
A+ A-


وحدك بين رؤساء العالم أسرعت لزيارتنا بعد نكبتنا الأخيرة التي دمّرت نصف العاصمة بيروت، وقضت على المرفأ التاريخي مخلّفة دماراً هائلاً وضحايا بشرية ذاقت الألم بكل أبعاده. وأنت تشاركنا هذا الاسبوع الاحتفال بمئوية لبنان الكبير الذي ما عرف شعبه سوى الخلاف والحروب المدمرة، وما حملت هذه المئوية سوى الفشل الكارثي الذي يدل على غياب "الحكمة" و"المعرفة" عن كل من تولّى شؤون لبنان السياسية والاقتصادية والقضائية، فنشهد اليوم على تكرار أحد فصول السقوط المظلمة.
وحدك الرئيس الذي نزل الى "أرض المعركة" بلهفة على الانسان والمكان. رئيس جمهوريتنا لم ينزل، ولا من أتى قبله ولا قبل قبله... ولارئيس وزرائنا نزل، ولا من أتى قبله ولا قبل قبله... كذلك رئيس مجلس نوابنا لم ينزل، وليس هناك قبله. وما اذا غريب على شعب يعرف أن حكّامه يفتقدون الى حكمة الاهتمام الجادّ بالدولة المهترئة، أنما يظل ينتخب "الزعماء" انفسهم الى مقاعد البرلمان ليشكلوا أيضاً العدد الكبير من أعضاء الحكومة، وهذا مخالف للدستور. ويكتفي الشعب بتحويل مآسيه الى أناشيد وطنية تتجدّد بين نكبة وأخرى.
لسنا دولة يا سيدي، نحن دويلة طوائف كثيرة مفكّكة الى مذاهب تتقاسم المجتمع وإنسانه التابع إما المذاهب، أو الأحزاب المذهبية، أو زعماء الاقطاع المذهبيين، أو دول خارج أيضاً مذهبية تمدّ يدها الى مجتمعنا المريض لتؤسس لها موقع سلطة وتسلطّ... والكل على عداء، والحروب دائماً على الأواب، والفساد على اندحار، فهل سمعت بحكام نهبوا ودائع الشعب المقيم والمغترب بدم بارد؟
حكامنا فعلوا هذا منذ أسابيع... اسألهم علّك تكسر صمتهم المريب. لذا، السيد الرئيس ماكرون، اعادة تكليف مطلق شخص تأليف حكومة جديدة لا يجدي نفعاً بعد، فإنساننا اليوم ملتفّ بوشاح المذهب الديني الذي ينتمي إليه، فيحتمي وراءه ليمارس كل اشكال الارتكاب بدءاً من الكذب الذي هو نبع الفساد الأساس. وحكامنا بكل مذاهبهم المقدسة: خطوط حمر، انما يفتقدون الى المعرفة بكل أبعادها،ولسنا بحاجة لا الى حكومة جديدة ولا الى مجلس نواب جديد، فلا ثقة للشعب اطلاقاً بتركيبة فاسدة تظل تتكرر.
نحتاج أشخاص لبنانيين قلائل، على حكمة وثقافة وأخلاق عالية، يؤمنون بأولوية الدولة العلمانية في إنشاء وطن معاصر جديد بكل سلطاته ومؤسساته، لا يكرر أبناؤه تدميره طائفياً كل بضع سنوات. ليكن لنا مجلس ادارة من لبنانيين وفرنسيين وكنديين، فقد حضنت كندا آلاف من هاجر من لبنان على مرّ الأزمنة، وأيضاً ممن يؤمنون بالدولة العلمانية من أشقائنا العرب، لنؤسس معاً الدولة اللبنانية العلمانية المشرقية الرائدة، يُفصل فيها الدين عن الدولة، فقد جاء زمن اللجوء الى العقل. وهذه ليست دعوة لاعادة الانتداب... انها دعوة الى صحوة عقل وإشراف فكر في القرن الحادي والعشرين تقود انسان لبنان وانسان الشرق الأوسط الى ادراك أهمية "الصدق" في بناء الانسان الجديد، والى مكانة العدل والنظام والحرب في نسيج الانتماء الى الحياة بكامل فصولها. ولتذهب الطبقة الحاكمة عندما الى تقاعد مريح بمعظم زعمائها وكوادرها وسلطاتها فقد أدت قسطها الخبيث الى خراب لبنان، وما شعرت يوماً لا بالحرج ولا بالندم ولا بالاكتفاء.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم