الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بعد انفجار مرفأ بيروت... أسئلة لا بد أن نلغيها من القاموس

محمود فقيه
محمود فقيه mahmoudfaqih
بعد انفجار مرفأ بيروت... أسئلة لا بد أن نلغيها من القاموس
بعد انفجار مرفأ بيروت... أسئلة لا بد أن نلغيها من القاموس
A+ A-

نسف انفجار مرفأ بيروت أي أمل متبقٍّ للإنقاذ تحت ركام الدمار الهائل. دفن الناس ضحاياهم مع آمالهم، وحتى الأحلام باتت كالمفقودين، نبحث عنها حين نغمض أجفاننا هرباً من الواقع الأليم. 

وكأن بيروت كانت أشبه بمحراب صلاة أو مذبح لتقديم القرابين، تهاوت وتصدّعت جدرانها وما صمدت أسوارها أمام عصف الانفجار. وبيروت ليست طرقات وجدراناً ووسط مدينة بل هي النفَس البشرية التي اعتادت على نمط عيشها رغم الأزمات، ومع دمار بيروت تدمر ما في داخلنا. 

لأول مرة، أقف أمام الأسئلة الافتتاحية لدى أي لقاء، أحتار كيف أجيب وبماذا أجيب، كل ما أعرفه هو "أننا أحياء لكننا لسنا بخير"، بل نحن كائنات حيّة في مساحة جغرافية فقدنا الإحساس على أننا بشر ولا يمكن تصنيفنا بأننا حيوانات، لأن الحيوانات لا تفعل بأنفسها ما فعلنا بأنفسنا، نحن أشبه بطفيليات بائسة على زاوية الكوكب. 

لقد بات السؤال عن الحال أشبهَ بتعدٍّ على الخصوصية. "كيفك؟" وأي سؤال هذا؟ وكيف نجيب عليه؟ أنحمد ربنا على مكروه؟ أم نوصّف الواقع بتعابير منمّقة كـ"عايشين" و"ماشي الحال؟ 

"شو الأخبار؟" أو "شو بتخبرنا؟"، هكذا سؤال يستأهل نشرة مسائية، أو صمتاً طويلاً. عن أي أخبار نتحدث، عن فساد الداخل أم تسارع وتيرة الاتصالات الخارجية حيالنا؟ عن الضحايا أم المفقودين؟ عن الأبواب المخلّعة أم الجدران المصدّعة؟ عن الموتى أم الأحياء؟ لمَ نسأل هكذا سؤال، ولمَ ننكأ الجراح؟! 

"كلّو تمام؟" هذا سؤال من سلسلة مرابطة من الأسئلة التافهة، والإجابة الواقعية له هي: "لا". وعن أي "تمام" نتحدث؟ وكيف يسأل هذا السؤال مَن نظر إلى حوله من أزمات متلاحقة؟!

في الأيام الطبيعية يُعتبر السؤال عن الراتب من الأسئلة الحشرية والتعدي على الخصوصية، فكيف الحال في بلد ترتفع فيه نسبة البطالة ويحلّق فيه سعر صرف الدولار وكل يوم يضاف اسم مؤسسة على قائمة الإقفال؟ كفّوا عن هذا السؤال. 

"شو طابخين؟" كان هذا السؤال مجرد الاطلاع على أفكار جديدة يعالج فيها الفرد حيرته ويرى فيه ضالته كي يقرر ماذا سيأكل اليوم. ولكن في هذه الفترة والغلاء الفاحش بات هذا السؤال محرماً، كي لا يشعر من نسأله بالخجل والحياء. 

وفي الختام، تستفزني الأسئلة التي فيها إجابة كـ"إنت منيح؟" أو ما يعادلها باللغة الأجنبية. لا لسنا بخير ولا حتى نسبياً، نحن أفضل من آخرين ولكننا جميعاً في حالة سيئة وتتفاوت حالة السوء بين فرد وآخر. 

كفّوا عن هذا النوع من الأسئلة، استبدلوا عبارات الترحيب وصباح الخير ومساء الخير بعبارة "الحمدلله على السلامة"، نحن مع شمس كل يوم حين نستيقظ نكون من الناجين، وحين تغيب الشمس ونحن أحياء اعلموا بأنكم نجوتم أيضاً، ولكن تحضروا إلى غد أسوأ ما دام في السلطة من هم، فلا أمل بغد مشرق. 

الحمدلله على سلامتكم. 








الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم