الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لماذا يقتلوننا ويدمرون حياتنا بهذه الخفة؟

المصدر: النهار
غسان صليبي
لماذا يقتلوننا ويدمرون حياتنا بهذه الخفة؟
لماذا يقتلوننا ويدمرون حياتنا بهذه الخفة؟
A+ A-

القاتل معروف. انهم "كلن يعني كلن". بعد انفجار المرفأ لم يعد هناك ادنى شك عن مسؤوليتهم جميعا عن قتلنا وتهديم منازلنا ومؤسساتنا. لكن السؤال الذي لا يفارقني، هو لماذا يفعلون ذلك بهذه الخفة؟

الحاكم لا يقتل عادة رعاياه الا عند الضرورة، إذ انه لا يريد التفريط بهم حتى يستمر في حكمهم. وكما نقول في امثلتنا الدارجة، "لازم تضل تطعم البقرة حتى يضل فيك تحلبها".

لماذا إذاً، هذا الاجماع النادر جدا من الطبقة السياسية على الصمت لسنوات في شأن نيترات الامونيوم في المرفأ، رغم معرفة هذه الطبقة الاكيدة بأخطار انفجارها؟

نحن نتعامل مع امراء حرب، قدامى وجدد، تمرسوا بالقتل والتدمير، وليس مستغربا استهتارهم بحياة الناس وممتلكاتهم. يبدو فعلا ان من شبّ على شيء شاب عليه. كما ان هؤلاء لم يعودوا يعوّلون علينا لتكديس اموالهم، بل اصبحنا عالّة عليهم بعدما افلست خزينة الدولة بفعل هدرهم وسرقتهم للمال العام.

هناك سببان إضافيان، على ما أظن، يمكن ان يفسرا هذا الصمت: مصلحة مادية مشتركة فرضت هذا الصمت على جميع افراد الطبقة السياسية. ولكن هذا من الصعب جدا ان يحصل حول صفقة واحدة. وفي المقابل لو كان احدهم خارج الصفقة لكان سرّب خبرا عن ذلك. أما الاحتمال الثاني فهو خوف مشترك فرض عدم الكلام في الموضوع. لكن في هذه الحالة لو كان "حزب الله" متورطا، مما استدعى هذا الخوف، لكان احد افراد ١٤ آذار أشار الى ذلك.

ما قاله رئيس الجمهورية بأن ليس من صلاحياته التدخل في شؤون المرفأ - وهو الرئيس "القوي" الذي من عادته ان يتدخل في كل شيء ولا يقبل ان يجري التشكيك في "قوته"- يفصح انه كان ولسببٍ ما، خائفاً على الارجح من التدخل.

لعل الاجابة حول سبب الاجماع على الصمت، تقع في علاقة تضامن بين الخوف والمصلحة المادية. خوفٌ اسكت البعض من الطبقة السياسية، ومصلحة مادية اسكتت البعض الآخر. المرفأ مليء بالفرص لتغذية المصالح المادية، وكثرة الفرص تجعل امكان إرضاء الجميع ممكناً. لكن هذا الصمت كانت كلفته عالية جدا، فقد دمّر نصف العاصمة وقتل اهلها وشرّد سكانها ورمى بهم في اتون البطالة.

لا شك ان الطبقة السياسية باتت تعرف حجم الكره الذي يكنّه لها شعبها. لقد سمعت شتائم المنتفضين، وتأكدت ان شعبها لم يعد يخافها. كما سمعت مطالبة الناس بالثأر والانتقام بعد انفجار المرفأ، وشهدت بروفة الاعدامات التي نفّذها المنتفضون بمجسّمات لزعمائها في ساحة الشهداء.

الطبقة السياسية هي اليوم في علاقة "يا قاتل يا مقتول" مع شعبها. وبالتالي على الشعب اللبناني التزام الحذر الشديد. إنهم قادرون على ارتكاب كل الموبقات.

***

التساؤلات السابقة تصلح على الطبقة السياسية ككل. ماذا عن "حزب الله" تحديدا الذي لا تزال تحوم شكوك حول علاقته بالمتفجرات، او حول احتمال كون الانفجار نتيجة لصاروخ اسرائيلي تَقصّد قصف صواريخ "الحزب"، التي ربما كانت في مكان الانفجار، ولا سيما ان الرأي العام اللبناني في معظمه على إقتناع بوجود امكنة في المرفأ يتفرد "حزب الله" بالسيطرة عليها وبمراقبتها، بعيدا من تدخل السلطات الرسمية.

لا شك ان "حزب الله" يعمل على حماية صواريخه على الاراضي اللبنانية وخاصة بعد تهديدات نتنياهو المتكررة بقصفها. ولا شك ايضا ان "الحزب" يخبئ اسلحته في امكنة متعددة، بحيث يمكن ان يشكل انفجارها خطرا على حياة الناس. وقد علت صرخة اهالي بعبدا واعضاء بلديتها أخيرا، خوفا من ان تكون بعض هذه الصواريخ مخبأة في بلدتهم.

منطق "الحزب" يقول لا بد من حماية سلاح المقاومة، ولو كان في ذلك مخاطرة بحياة الناس. قال نصرالله بعد الانفجار "ان المقاومة بالنسبة للبنان وشعبه هي شرط وجود حتى اشعار آخر، طالما لم يقدم البديل المقنع، هي الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه لنبقى على قيد الحياة". بتعبير اوضح، يفترض نصرالله انه اذا ذهبت المقاومة سنموت جميعا إما اختناقا وإما عطشا.

لكن واقع الحال يقول عكس ذلك. فمع وجود المقاومة، نحن نختنق ونجوع ونعطش، إذ اصبحت بسياساتها الخارجية والداخلية، تشكل خطرا على البلاد وحياة اهلها. ولم نعد ندري اذا كانت المقاومة لا تزال قائمة للدفاع عن البلاد او فقط عن السلطة التي خرّبت البلد وقتلت شعبه. هذا ما يتبدى بوضوح من خلال استماتة "حزب الله" في حماية السلطة والدفاع عن بقائها، في وجه المعارضة الشعبية المطالبة برحيلها. "حزب الله" في الواقع، انما يدافع عن السلطة لانه يحتاجها لتبرير سياساته وإضفاء الطابع الرسمي عليها.

وظيفة المقاومة الاساسية والوحيدة هي حشد طاقاتها من اجل الدفاع عن البلاد عندما تتعرض للاحتلال.

عندما تصبح وظيفة البلاد حشد طاقاتها من اجل الدفاع عن المقاومة، بعد انسحاب الاحتلال وانسحاب المقاومة مما تبقى من بقعة احتلال، اي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، يعني ان البلاد اصبحت مقاومة والمقاومة تحولت الى بلاد. فضلا عن ان سلاح المقاومة لم يعد فقط للدفاع عن البلاد بل للمشاركة في حروب سوريا واليمن وغيرها، في اطار الالتحاق بالمشروع الايراني في المنطقة.

فهل اصبح لبنان مجرد قاعدة عسكرية ايرانية للقتال في المنطقة؟

إننا امام سوء تفاهم وجودي بين المقاومة والبلاد. هكذا تصبح البلاد في خدمة المقاومة بدل ان تكون هي في خدمة البلاد. ألهذا يجري التعامل بهذه الخفة مع ارواح الناس وارزاقهم؟

يجعلني اميل الى هذا الاعتقاد، تصريح السيد خامنئي، ولي الفقيه الايراني الذي يتبع له "حزب الله" في العقيدة والسياسة. ففي تعليقه على انفجار بيروت قال خامنئي "ادعو اللبنانيين للصبر، فمقابل هذه الحادثة ستكون بطاقة ذهبية يفتخر بها لبنان".

خامنئي يسمّي انفجار بيروت "حادثة" مثل عون ونصرالله. فلماذا يفترض ان مقابلها، "ستكون بطاقة ذهبية يفتخر بها لبنان"؟ فهل يفتخر شعب بـ"حادثة" لم يكن له يد فيها؟ بماذا علينا ان نفتخر؟

خامنئي لا يوضح، لكنه قبل أن يعدنا بالبطاقة الذهبية، يطلب منا الصبر، وكأنه يريد القول ان هذه البطاقة ستكون مكافأة لنا إذا صبرنا. اي إذا صبرنا على موتنا واوجاعنا، وصبرنا على تشريدنا بعد تدمير بيوتنا، وصبرنا على فقدان عملنا بعد تدمير المؤسسات التي نعمل فيها.

كيف يمكن لبطاقة ذهبية ان تعوّض لنا كل هذه الخسارات؟ جواب خامنئي لا يمكن ان يكون الا واحدا من اثنين: إما ان مأساتنا هي في حد ذاتها وفي مفهومه انتصار لنا، وفي هذا مدلول لثقافة تعلي شأن العذاب والموت؛ وإما ان مأساتنا هي انتصار لغيرنا نستحق عليها بطاقة ذهبية، وفي هذا ثقافة سادية لا تعير اهمية لحياتنا.

***

يكون هذا الانتصار أكيدا لمحور ايران اذا كانت اسرائيل هي التي فجّرت نيترات الامونيوم من خلال تفجير اسلحة لـ"حزب الله": فالامر بقي سريا حتى الآن، ولم يحمّل احد رسميا مسؤولية التفجير لـ"حزب الله" واسلحته، ولا هو أُجبر على الرد على العدوان.

احتمال ان تكون اسرائيل هي التي فجّرت المرفأ، لا يقل عن خمسين في المئة، بحسب الكثير من التقارير والتحليلات. لي، كمواطن لبناني، لا يمكنني ان أغفل هذا الاحتمال او لا أوجه غضبي في اتجاه الدولة الارهابية التي هي اسرائيل. واتمنى من شعبي المنكوب وخاصة في المناطق المسيحية من بيروت، الا يزيل من حساباته تحميل هذه الدولة المسؤولية عن نكبته، رغم صمت السلطة و"حزب الله" والعالم اجمع.

للمرة الأولى ربما، وبهذا الوضوح القاتل، نلمس لمس الاشلاء، كم نحن بتنا رهائن بيد اسرائيل والقوى التي تناهضها، مستخدمين ارواحنا وارزاقنا، بمباركة من سلطتنا المجرمة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم