الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ستدفعون الثمن

حنا صالح
ستدفعون الثمن
ستدفعون الثمن
A+ A-

سؤال واحد تلهج به الألسنة: شو عملنا وشو الذنب الذي ارتكبناه؟ لقد حوّلوا البلد إلى مقبرة مفتوحة وها هي جنازة الفتى الياس الخوري تتحول إلى ما يشبه جنازة جيل الأمل بكامله؟

في الرابع من آب تعرضت العاصمة، أهلها وسكانها لأبشع عملية غدر، جريمة لا تخطر في بال أحد عندما أزهقت حياة أحبة وطرق عيش وحياة يومية ومخططات للمقبل من الأيام وذكريات، وتحولت العاصمة إلى ضحية، والسؤال ضحية من ومن أجل ماذا؟

ولأول مرة في مناطق المرفأ والصيفي والمدور والرميل ومارنقولا، ومن الوسط التجاري صعوداً إلى خندق الغميق وزقاق البلاط وامتداداً إلى التباريس والجميزة ومارمخايل والكرنتينا وكل الأشرفية... أي أكثر المناطق التي تشكل قلب بيروت اقتحم الموت أحياءها ومنازلها، فتسبب جحيم الرابع من آب بتهديم الشعور بالأمن والأمان والاستقرار والثقة. والأقسى أنه في طول المنطقة وعرضها، كُثر من أصحاب الوجوه الأليفة يعبرون عن رغبة بالهجرة والابتعاد، منطلقهم شعور بالعجز عن إعادة دورة الحياة ثانية وتأسيس عمل وخلق حياة أخرى وما يمكن أن يمنح الشخص شيئاً من الضمانة!

في أقل من دقيقة تبدل عالم بكامله، انهار عمران تاريخي وتبددت أحلام وآمال. وبعد مرور هذه الأيام الـ19 على الجريمة ازدادت الوطأة على الناس. إبادة جماعية لم يعتذر عنها مسؤول، لا بل يجهدون لطمس المسؤوليات عنها وحصرها بخطأ إداري أو إهمال؟ فأي حقيقة منتظرة من تحقيق وضعت له السقوف والحدود، وفي نفس الوقت يسرّعون الخطى للعودة بالبلاد إلى ما قبل 17 تشرين، وكأن لا انهيار ولا عوز ولا مجاعة، وكأن الجريمة ضد الانسانية لم تحدث في الرابع من آب، وكلهم إصرار على المضي في نهج استباحة الحقوق وانتهاك الكرامات!

المفكرة القانونية" حددت الأخطاء - الخطايا الـ12 في التحقيق الجاري اليوم والذي يُبحث من خلاله عن أي "تكميل" على ما جرى في نهاية أحداث الـ58! رغم أن الفارق هائل بعدما بدا وكأن هناك تقصد بترميد العاصمة على رؤوس سكانها. ما تريد السلطة قوله بات معروفاً، وهو الإمعان في رفض تحمل المسؤولية، وهو أمر يطال كل من تبلغ التحذير من خطر دمار بيروت، من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكل وزراء الدفاع والأشغال والمال المتعاقبين، ومعهم كبار المسؤولين الأمنيين وكذلك القضائيين وبعد ذلك كافة المسؤولين عن المرفأ والجمارك الذين يجري حصر المسؤولية بهم وحدهم.

كلهم كانوا على بينة مما يحتويه العنبر رقم 12، وكل منهم بحسب موقعه يتحمل المسؤولية عن ترك الناس تنام والموت تحت الوسادة. كانوا على بينة أن شحنة الموت لم تصل بطريق الخطأ، وكانوا على معرفة بكل التركيبة الهزلية التي تمت لإفراغ الحمولة وتخزينها، في مرفأ مدني يشكل عصب الاقتصاد الوطني، وعلى مقربة من الأحياء السكنية. وهم أحجموا عن تحمل المسؤولية انطلاقاً من قناعة لديهم لا يمكن نكرانها ومفادها أن هذا العنبر يعود إلى "حزب الله"، الذي وعد بإزالة حيفا من الوجود فتسبب بتدمير بيروت في أقل من دقيقة، فسارعوا إلى توجيه الأنظار وجهة أخرى. وقفزوا لفرض مآربهم السياسية غير عابئين بكل الدمار وقتل كل شعور بالأمان، وتجاهلوا حقيقة أن الهلع بات يسكن البيوت في المدن والقرى القريبة والبعيدة، حيث تنامت الخشية من موت قد يفاجئ الناس في أي وقت، ولدى أهالي بعبدا والشويفات الخبر اليقين!

الانهيار يتسع مالياً واقتصادياً واجتماعياً، والعاصمة مهددة بفقد نسيجها وتكرار الجور الذي ضرب في السابق مناطق منها، والوباء يجتاح البلد... ولا اولوية عند المقيم في القصر سوى تكرار تجربة حسان دياب آخر. هذا لا يعني أن "المن والسلوى" سيتأمن على يد من أسقطته الثورة قبل أقل من 10 اشهر، بل إن الكيدية السياسية لا ترى إلاّ فرض حالة كاريكاتورية تحتمي بالدويلة كسبيلٍ لفك الحجر عن الصهر، وفك الحجر عن العهد، وضخ الدم في عروق نظام المحاصصة الطائفي، من خلال العودة إلى صيغة ما من حكومات "الوحدة الوطنية" مهما كان الثمن! ويستمر منحى كلف البلد أثماناً كبيرة، هو الإصرار على بدعة "التأليف قبل التكليف" والإبقاء على الاستشارات النيابية الملزمة ورقة بيد القصر فوق الدستور ومندرجاته!

وضع سوريالي يمر به البلد، لكنهم لن يفلتوا من الحساب. اليوم خيرة الشباب، وخيرة الناس، يندفعون من كل حدبٍ وصوب لرفع الركام وتركيب زجاج وإضاءة مصباح ولبلسمة جرح وتشييع ضحية، لتعويض تقصير المتسلطين وبالتأكيد لن يكلوا عن بذل الجهد لاسقاط مشاريع التسويات المهينة والتاكيد أن لا حل الا بقيام حكومة مستقلة تستعيد الثقة وتطلق مسيرة التعافي والمحاسبة. في هذا الوقت لا يتورع الصهر المحبوب عن إطلاق الهلوسات التي فقدت كل عناصر التسلية من نوع "إحباط الانقلاب على العهد" كأن ذلك يساعد في تغطية المطالبة الواسعة بالتنحي والاستقالة بعدما تيقن الناس أن الفراغ السياسي الذي كان أرحم بهم من الفراغ الحالي!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم