السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أيّ لبنان وأيّ جمهورية للرئيس العتيد؟ المطلوب تغيير الذهنية والأداء وليس الوجوه

اميل خوري
A+ A-

عندما كان لبنان الصغير قائماً خضع لحكم القائمقاميتين ثم لحكم المتصرفية، وعندما أعلن لبنان الكبير خضع لحكم الانتداب الفرنسي. وعندما انتهى ونال لبنان استقلاله، خضع لحكم النظام الديموقراطي الذي جعل الأكثرية المنبثقة من انتخابات حرّة نزيهة تحكم والأقلية تعارض. واستمر هذا النظام إلى أن خضع لبنان لحكم الوصاية السورية بعد حرب داخلية دامت 15 سنة فصارت الديموقراطية تطبق وفق ما تريده الوصاية. وعندما انتهت الوصاية رفضت الأقلية حليفة سوريا في لبنان والمنضوية في تكتل 8 آذار تطبيق النظام الديموقراطي وطلعت ببدعة "النظام التوافقي" الذي فرض مشاركة الأكثرية والأقليّة في حكومة واحدة ليس تمثيلاً للقوى السياسية فقط إنما لقوى المذاهب أيضاً وبحجة أن لا ديموقراطية عددية في ظل الطائفية. وقد أثبت "النظام التوافقي" فشله إذ أدى إلى إثارة الخلافات داخل الحكومات حول كل موضوع مهم فيبقى بته معلقاً إلى أن يصير اتفاق أو توافق عليه.


لذلك مطلوب الآن معرفة أي لبنان وأي جمهورية كي يكون لكل لبنان رئيس ولكل جمهورية رئيس. فإذا صار اتفاق على تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الأقليمية والدولية لتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات حرصاً على وحدته الوطنية وسلمه الأهلي، فينبغي أن تكون للرئيس مواصفات هذه الصورة. وإذا صار اتفاق على أن يعود لبنان إلى ممارسة النظام الديموقراطي الذي تحكم الأكثرية بموجبه والأقلية تعارض وان تنفذ في ظلّ هذا النظام قرارات مجلس الأمن الدولي ولا سيما القرار 1701 وقرارات هيئة الحوار الوطني ويساعد على ذلك قيام نظام جديد في سوريا، فينبغي أن تكون للرئيس مواصفات هذه المرحلة. أما إذا كان لبنان في العهد المقبل سيكون امتداداً لعهود سابقة لم تقم فيها دولة قوية قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل الاراضي اللبنانية ولا تكون دولة سواها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، فإن الناس لا يهمهم عندئذ من يكون رئيساً للجمهورية، قوياً كان أم ضعيفاً، لأنه لن يكون رئيساً لدولة تحكم بل رئيساً محكوماً من دويلات... وان الرئيس الذي يوصف بالقوي يصير ضعيفاً في لبنان الضعيف.
وإذا كان النواب والسياسيون يريدون رئيساً يخدم مصالحهم ولا يهمهم ان يكون قويّاً أو ضعيفاً، فإن الناس يهمهم أن يكون الرئيس قادراً على تأمين الماء والكهرباء والطرق والطبابة والاستشفاء، وأن يكون قادراً على تحقيق العدالة الاجتماعية والمحافظة على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وأن يكافح الفساد الذي استطاع أن يصمد في وجه كل العهود لأنه الآفة التي تحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة ويبقي الابواب مفتوحة على الاثراء غير المشروع، ما يزيد حجم الدين العام ويوسع هوة الخلاف بين العمال وأصحاب العمل ويخلق مشكلات اجتماعية لا حل لها إلا بانتفاضات شعبية وثورة جياع.
والرئيس المطلوب لمرحلة تتطلب تحقيق كل ذلك هو الرئيس القادر والراغب، وليس الرئيس القادر لكنه غير راغب أو راغب لكنه غير قادر... رئيس يحب لبنان ولا يحب غيره.
لقد مرّ في لبنان رؤساء أقوياء لكنهم لم يكونوا قادرين على إحداث التغيير المطلوب والاصلاح المنشود لأن التجاذبات الداخلية والتدخلات الخارجية حالت دون ذلك. وان كل رئيس يوصف بالقوي ويصل إلى الحكم في ظل الوضع الشاذ الراهن ولا يستطيع تغييره يصبح ضعيفاً، وكل رئيس يوصف بالضعيف ويكون قادراً على إحداث التغيير والاصلاح فعلاً لا قولاً يكون الرئيس القوي.
والسؤال المطروح على أبواب الانتخابات الرئاسية هو: هل الرئيس القوي أو الرئيس القادر موجود؟ إنه موجود فعلاً إذا كانت إرادة كل الزعماء على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم موجودة لإقامة الدولة القوية التي لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها، لكنه غير موجود إذا استمر الوضع في لبنان على ما هو منذ سنوات، أي لا دولة ولا حتى أمل في العبور إليها.
أما الناس فيريدون رئيساً إذا لم يكن قادراً على تحييد لبنان ولا على تنفيذ القرارات الدولية التي تحصِّن الأمن والاستقرار فيه ولا على تحقيق العدالة الاجتماعية وانماء كل المناطق انماء متوازناً، ولا قادراً على مكافحة الفساد باجراءات عملية تسائل المرتكبين أمام القضاء المستقل العادل، فلا فرق عندهم أن يكون الرئيس المنتخب قوياً كما يوصف أو ضعيفاً، لأنه سيكون رئيساً لإدارة الفراغ لا لملئه.
المطلوب إذاً ليس تغيير الوجوه، بل تغيير الذهنية والاداء كي يشعر الناس بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان إلى مستقبلهم ولا يهمهم عندئذ أن يوصف الرئيس بالقوي أو بالضعيف بل بالقادر والراغب وعندها يكون قويّاً بالفعل لا بالقول.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم