الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الأطباء السوريون يكافحون فيروس كورونا في بلدهم الجديد ألمانيا!

ماهر الحمدان- ستراسبورغ
الأطباء السوريون يكافحون فيروس كورونا في بلدهم الجديد ألمانيا!
الأطباء السوريون يكافحون فيروس كورونا في بلدهم الجديد ألمانيا!
A+ A-

هجرة العقول من البلاد العربية، بما في ذلك سوريا، مستمرة في عصرنا الحديث، إلا أنها كانت بأعداد أكبر إبان اندلاع الأزمة السورية في ربيع 2011، ومن بين العقول المهاجرة أطباءٌ سوريون غادروا بلادهم بحثاً عن حياة كريمة وفرص عمل من خلال تخصصهم، فكانت الوجهة أوروبا، وألمانيا تحديداً، إذ يحتل الأطباء السوريون المرتبة الأولى من بين الأطباء المهاجرين هناك. وبحسب آخر الإحصاءات الألمانية يُقدر عددهم بنحو 4000 طبيب وطبيبة.

ومع تفشي فيروس كورونا المستجد في أوروبا، الذي صُنف بحسب منظمة الصحة العالمية وباءً عالمياً، برز دور الأطباء السوريين المهاجرين أو المهجّرين، لا سيما وأن ألمانيا شهدت نقصاً في الكوادر الطبية خلال جائحة كورونا، فاستعانت بكوادر طبية مهاجرة من بينهم سوريون.

أطباء سوريون في مواجهة الفيروس

الدكتور مروان شمس الدين، هو طبيب سوري قدم إلى ألمانيا عام 2015 في ظل موجة اللجوء، يقول: لقد قدمت إلى ألمانيا بعد إقامتي لفترة في تركيا بعد الخروج من سوريا خوفاً من جحيم الحرب هناك. ومع فتح حدود الهجرة خرجت مباشرة عبر اليونان إلى ألمانيا مروراً بعدد من الدول الأوروبية. رحلة كانت صعبة ومليئة بالمخاطر والإهانات من بعض أفراد الشرطة. في تلك الفترة كان هدفي تعلّم اللغة، إذ أنجزت مرحلة اللغة دون الحصول على الإقامة، إذ كانت المواعيد تتأخر لشهور، والقرار يأتي خلال سنة وسنة ونصف. بعد إتمام اللغة تقدمت إلى معادلة الشهادة والحصول على رخصة العمل المؤقت. عملت في أحد مشافي ولاية ساكسونيا ثم بعد تعديل الشهادة انتقلت إلى ولاية شمال الراين، وهناك عملت في أحد المشافي الجامعية. منذ أسابيع تفاقمت حالات الإصابة بفيروس كورونا، وأنا تخصصي أمراض أجهزة التنفس، وكانت الصدمة بعد ازدياد الحالات ونتائج الفحوص الإيجابية، ولم نكن مهيئين لاستقبال أعداد كبيرة من المصابين، ولم نكن قد أخذنا كافة إجراءاتنا الوقائية تماماً، أبقى في قسم العناية المشددة إلى جانب المصابين أثناء الرعاية وتقديم الخيارات الموجودة لإنقاذهم، أحياناً لا أرى عائلتي لمدة تصل لـ5 أيام وهي رغبة مني للبقاء للمساعدة قدر الإمكان في ظل الظروف الصعبة، وإزدياد الحالات بشكل كبير، ولا سبيل سوى البقاء إلى جانبهم وتقديم الرعاية والعلاج الطبي لهم وللآخرين. إصراري على البقاء لأيام طويلة هو محاولة لرد الجميل لألمانيا البلد الذي استقبلني بعد هروبي من الموت. اليوم أعمل في أكثر مهنة صعبة في ظل هذه الظروف ومحاطاً بالخطر ،وربما أفقد حياتي أو أتعرض للفيروس. رغم ذلك أنا مستعد لهذا الاحتمال. لا سبيل سوى للتكاتف جميعاً من أجل القضاء على هذا الفيروس اللعين. أعتقد أن القرارات الأخيرة بتسهيل دخول العاملين في القطاع الطبي الذين لم يعدلوا شهادتهم يجب أن تعمم على جميع الولايات، نحتاج إلى هذه الطاقات من الشباب ولديهم خبرات قوية يجب استثمارها جيداً.

الدكتور مشهور غريبة، هو طبيب مسيحي سوري قدم إلى ألمانيا عام 2015. بعد حصوله على فيزا بحث عن العمل حيث كانت السفارة الألمانية في بيروت تسهل قدوم الأطباء بشكل خاص، إذ قدم الدكتور مشهور أوراقه للسفارة وطلب إعداد الحساب البنكي وورقة إلى معهد اللغة الألمانية، ليحصل على فيزا بعد غضون شهرين من وقت مقابلته التي كانت قريبة.

غادر الدكتور مشهور سوريا بسبب الحرب الدائرة فيها وانعدام وجود أساسيات الحياة هناك في ظل البحث عن ملاذ آمن وجديد لحياة أفضل، يتابع الدكتور مشهور. وقال إنه عدل شهادته، فمر بتجارب صعبة منها امتحان اللغة الطبية لألمانية، وتعديل ساعات دراسته في مادة الطب العام في حين كانت لديه خبرة جيدة لأكثر من 6 أعوام في المشافي السورية خلال الحرب..

يقول الدكتور مشهور انه ما زال يعمل على تعديل شهادته والحصول على الترخيص الدائم للعمل، إذ يجري امتحانه بعد شهر من الآن لتعديل شهادته، ويقول ان ترخيصه للعمل المؤقت قد انتهى وأنه في مهنة جداً مهمة ومطلوبة في ظل مواجهة كورونا فيروس، وهي العمل على أجهزة التنفس وتركيب الأنبوب للمصابين الذين تعتبر حالتهم حرجة. وأخبر مشفاه أنه جاهز للعمل في أي لحظة يطلبونه كمتطوع كون ترخيصه منتهياً، والشيف أبلغه أنه يعمل على تمديد ترخيصه أو الحصول على استثناء من أجل عودته إلى العمل.

السوريون يشكّلون نسبة كبيرة في المشافي الألمانية

يؤكد الدكتور مشهور أهمية وجود الأطباء السوريين أو حتى المهاجرين في ألمانيا، حيث في المشفى الذي يتواجد به يشكل الأطباء المهاجرون نسبة 85% من العاملين فيه، ونسبة السوريين منهم تزيد عن 60 بالمئة، في ظل وجود نقص كبير في الأطباء لاسيما في المدن البعيدة عن المدن الكبيرة التي لا يلجأ إليها الكثير، إذ يفضلون البقاء في المدن الكبيرة التي دائماً ما يكون فيها فرص للعمل والترقي أكبر. يعتبر الدكتور مشهور أن أزمة كورونا فيروس أظهرت قوة النظام الصحي الألماني، مشيداً به.. هناك الكثير من الأطباء السوريين أو حتى المهاجرين يمتلكون سنوات طويلة من الخبرة لكنهم مقيدون بتعديل الشهادة، أعتقد أنه كان يجب في هذه الظروف السماح لهم ولو استثنائياً بالعمل والمساعدة.

ولايات ألمانية تسمح للأطباء بالعمل دون الحاجة إلى تعديل الشهادة

سمحت عدة ولايات ألمانية من بينها ولاية ساكسونيا شرق ألمانيا، بعمل الأطباء دون الحاجة إلى تعديل الشهادة، شريطة إتمام شرط كفاءة اللغة الألمانية في مجال الطب، وقامت بمنح عدد كبير من الأطباء المهاجرين من بينهم سوريون إذنَ عمل مؤقتة من أجل مساعدة الكوادر الطبية، ولكن بالدرجة الأولى في الحالات الاسعافية من أجل سد مكان الأطباء الذين تم نقلهم من الإسعاف والعيادات الطبية إلى القسم المخصص بكورونا فيروس. لكن حسب أطباء، فإنه بعد نهاية إذن العمل يُطلب منهم إتمام امتحان معادلة الشهادة بشكل إجباري من أجل العودة إلى ممارسة العمل.

ردّ الجميل!

يعتبر الدكتور جوليان سنكري وهو طبيب سوري مختص في الأمراض الصدرية في ألمانيا أن ما يقومون به هو واجب من منطلق إنساني ومهني، إذا يرى ألمانيا بلده الأم من واجبه تقديم كل إمكانياته في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها ألمانيا من انتشار لجائحة كورونا فيروس.

ويرى الدكتور زياد حداد أنه يرد الدين للدولة الألمانية التي استضافتهم وأمنت لهم فرص العمل والتطور المهني الذي لم تمنحهم إياه أي دولة أخرى بهذه الأريحية.

ويقول حداد نحن حالياً جزء لا يتجزأ من النظام الطبي الألماني، ونأمل برد الدين للدولة التي استضافتنا وأمنت لنا فرصة للعمل والتطور المهني، ولم تمنحنا إياهما أي دولة اخرى بهذه الأريحية. الكثير من الأطباء السوريين أتوا محملين بخبرات كبيرة اكتسبوها من العمل في سوريا ونحن نضع هذه الخبرات الآن في خدمة النظام الطبي الألماني في مواجهة هذه الجائحة.

رحلة المعادلة وطريق الخطر أمام كورونا

وكان سنكري قدم إلى ألمانيا عام 2015، وقام بتعديل شهادته والانخراط في العمل مباشرةً في العام نفسه، في ولاية زاكسن، إذ كانت إجراءاتها سهلة وبسيطة، مع موجة مرض كورونا فيروس،

وانتقل سنكري للعمل في قسم العناية المشددة والذي يعد أهم الأقسام التي تشرف على مصابي كورونا فيروس الذين تسوء حالتهم، وأغلب القادمين إلى القسم مصابون بأمراض مزمنة إضافة إلى كورونا فيروس ما يعني احتمالية خطر انتقال الإصابة أو العدوى من أمراض.

يعي سنكري المخاطر التي تحيط به واحتمال إصابته كطبيب، لكنه رغم ذلك يعتبر أنه يقوم بواجبه الإنساني والمهني، ويشيد بالإجراءات المتخذة من قبل الحكومة الألمانية، ويعتبر قسم التعقيم في مشفاه من أفضل الأقسام المهمة، والذي يقوم بعمل جبار لحمايته وحماية كوادر المشفى والمرضى. يؤمن جوليان بدوره المهم هو والأطباء المهاجرون في ألمانيا بسبب النقص الموجود. ويعتبر ألمانيا بلده الأم. إذ يقوم بواجباته من منطلق إنساني ومهني، ويرى جوليان أنه يجب أن تتم التسهيلات لضمان انخراط جميع الأطباء في ظل الظروف الصعبة التي يتعين علينا التكاتف لأجل القضاء على الفيروس.

وبالنسبة إلى الدكتور زياد حداد، هو طبيب اخصائي جهاز هضمي، أتم دراسته واختصاصه في سوريا وقد عمل كطبيب اخصائي في مشفى الهلال الاحمر في دمشق. وانتقل للعيش في ألمانيا مع زوجته عام 2015 بعد ان حصل على فيزا بعد بحث عن عمل لمدة ست أشهر. وبدأ بإذن عمل مؤقت عام 2016. ومنذ تعديل شهادة الطب 2017 عمل في مشفى st christophorus werne، ويطمح لتقديم امتحان الاختصاص بداية العام المقبل.

ويقول: أعمل حالياً في قسم العناية المشددة. حتى الآن لم تسجل في مشفانا أي حالة إيجابية بفيروس كورونا في قسم العناية المشددة.

اليوم قد تكون الحالة الأولى وصلت الينا وهي حالة لمريضة عمرها 75 عاماً بعد انعاش قلبي رئوي. بعد إجراء الفحوصات الشعاعية شُخص للمريضة مرض ذات الرئة على الأغلب في سياق داء كورونا. ولقد عملت اسبوعاً في قسم العزل المخصص للمرضى المشخصين والمشتبهين بداء كورونا، وتعاملت شخصياً مع حالة إيجابية وكانت حالتها العامة جيدة، وخرجت إلى المنزل لتتابع علاجها مع إجراءات العزل في منزلها.

في البداية انا ملتزم بواجباتي وقسمي كطبيب وأعرف منذ بداية الأزمة أن عبئاً كبيراً سيقع علينا كأطباء مع إمكانية دائمة للاصابة بالعدوى. لكننا نعرف أيضاً أن هذا جزء لا يتجزأ من عملنا، نحن ملزمون حالياً بارتداء الكمامات العادية طيلة فترات الدوام.

عند الاحتكاك مع المرضى المشتبهين بفيروس كورونا نرتدي نوعاً آخر من الكمامات مع واقٍ للرأس والوجه ومعطف وزوجين من القفازات للمزيد من التعقيم، وألتزم بغسيل الأيدي وتعقيمها عدة مرات أثناء الدوام، في المنزل أخلع ثيابي مباشرة وأتوجه للحمام مباشرة قبل أي تماس مع أسرتي.

نقص في المواد شمل حتّى المعقمات!

اشتكى الدكتور جمال زاهر، وهو طبيب قدم من الساحل السوري عام 2015 إلى ألمانيا وتمكن من العمل بعد معادلة شهادته والحصول على شهادة الاختصاص الألمانية المعروفة بالفاخ ارتست. وأوضح الدكتور جمال زاهر أن نقص المواد التي عانوا منها خلال جائحة كورونا كانت على مستوى القفازات والمواد المعقمة، إذ لم يملكوا سوى ماسك واحد يومياً، في حين يتطلب تغييره كل 4 ساعات على أقصى تقدير.

يروي الدكتور زاهر حادثة إصابة ممرضة لديهم في المشكلة أصيبت بعد قدومها من إيطاليا، وعقب عملها لمدة عدة أيام في المشفى، تم اكتشاف إصابتها، في ظل خطورة العمل الذي قد ينعكس على عائلته، حيث كانت تتطلب مهام أكبر وحذراً واجباً ولاسيما الفحوصات المخصصة للحالات التي تظهر عليها الأعراض، وهي من الظروف الصعبة التي نمر بها خلال عملنا، إذا يتوجب تقديم عملنا بكل مهنية. كانت ظروفاً صعبة لم يتعين إجراءات الفحوصات لجميع العامل إنما لعاملين محددين، إذ حتى الماسك لا يحمي بنسبة 100%، وهو ما يتطلب حذراً أكثر في التعامل مع المرضى وهي ظروف صعبة جداً على الأطباء، إذ دائماً ما يفكرون بعائلاتهم وأطفالهم خشية نقل الإصابة والمرض إليهم.  

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم