الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

العنف ضدّ النساء... الجمعيات عاجِزة عن الاستيعاب و"تُخمة استراتيجيات" رسمية

المصدر: "النهار"
شربل بكاسيني
شربل بكاسيني
العنف ضدّ النساء... الجمعيات عاجِزة عن الاستيعاب و"تُخمة استراتيجيات" رسمية
العنف ضدّ النساء... الجمعيات عاجِزة عن الاستيعاب و"تُخمة استراتيجيات" رسمية
A+ A-

في منزلها في أحد أحياء بيروت، تعيش م. مع زوجها وطفليهما، في ظروف معيشية صعبة عصفت بأسرة تنتمي إلى ما كان يُعرف بـ"الطبقة الوسطى"، على وقع انهيار مالي وأزمة صحيّة ينذران بكارثة اجتماعية. م. هي واحدة من مئات النساء المعنّفات في لبنان، وواحدة من الآلاف اللواتي يعدّلن رأيهنّ كلّما قرّرن الانفصال، رأفةً بالأولاد. "لكنّ الحياة لم تعد تحتمل"، تقول،"ذات ليلة، وجدتُني أرمق ولديّ بنظرة أخيرة، لخوفي من الموت ضرباً".

تُرجع م. سبب التغيّر "الجذري" في شخصيّة زوجها، إلى "الضغط النفسي الذي يواجهه كلّ سائق أجرة، مسؤول عن إعالة زوجة وولدين، يقاوم الأزمة المالية". بيد أنّ الزوج لم يكن مثالياً، في محطّات ومواقف كثيرة، إلّا أنه "كان صبوراً وصادقاً في حبّه".

تلقّت منظّمة "كفى" النسائية، خلال شهر حزيران، 1371 اتصالاً، في إشارة إلى ارتفاع الرقم شهرياً (938 اتصالاً خلال أيار)، وتصاعد وتيرة العنف الأسري خلال الأشهر الأربعة للحجر المنزلي. وذكر مركز الدعم التابع للمنظّمة، أنّ "الزوج هو المعنّف الأول للمرأة، يليه الأب". وقد تلقّت "كفى" مؤخّراً 236 اتصالاً من سيدات جديدات، بلّغن عن تعرّضهنّ للعنف النفسي واللفظي، في الدرجة الأولى، إلى جانب العنف الجسدي، يليه العنف الاقتصادي، فالجنسي، والقانوني.

وخلال الشهر الماضي، ارتفعت الخدمات الاجتماعية التي تقدّمها "كفى" حتى طالت 672 امرأة (439 خلال أيار). كما رفعت المنظّمة خدماتها القانونية، لتطال 441 سيدة، بعد أن شملت 246 سيدة في أيار. ارتفاع حالات العنف هذا، ومشاركة الجمعيات الأهلية في تمكين المرأة ودعمها، تزامن خلال حزيران، مع إطلاق وزارة الشؤون الاجتماعية، قبل نهاية الشهر، خطتها الاستراتيجية حول حماية المرأة والطفل، الممتدة بين 2020 و2027، والتي تتمحور حول تعزيز الدور القيادي والناظم لوزارة الشؤون الاجتماعية في مجال حمايتهما.

"إنها الاستراتيجية الثالثة التي تطلقها وزارة الشؤون الاجتماعية... أُصبنا بتُخمة استراتيجيات"، تقول زويا جريديني روحانا، مديرة منظمة "كفى" لـ"النهار"، "لمسنا قلّة جدّية في التعاطي مع العنف ضد المرأة ومكافحته".

ينصّ "قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري"، أو القانون رقم 293/2014، على "استحداث صندوق مالي حكومي أو مشترك لمساعدة ضحايا العنف الأسري". وجاء في المادة 21: "يُنشأ صندوق خاص، يتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري، يتولى مساعدة ضحايا العنف الأسري وتأمين الرعاية لهم، وتوفير السبل الآيلة الى الحد من جرائم العنف الأسري والوقاية منها وتأهيل مرتكبيها". ترى روحانا أن الوزارة تكون قد أتمّت عملها "متى عملت على تطبيق هذا البند، ومتى أمنّت مراكز الإيواء"، في إشارة إلى أن الجمعيات الأهلية "تساعد الدولة، ولكن لا يجب أن تأخذ دورها".

وتشير التقارير الأخيرة إلى ارتفاع ملحوظ في نسب حالات العنف الأسري التي تمّ تسجيلها خلال فترة إنتشار الوباء، وإعلان حالة التعبئة العامة في البلاد، ترافق ذلك مع تفاقم الأزمة المالية وارتفاع نسب البطالة وهي عوامل تزيد مخاطر العنف.

وأكّدت وزارة الشؤون الإجتماعية أنها "استمرّت بتقديم الخدمات المتخصصة للناجيات من العنف عبر المساحات الآمنة المتواجدة في مراكز الخدمات الإنمائية التابعة لها والموزّعة على مختلف المحافظات اللبنانية". وأشارت إلى أنه "سبق أن جرى تجهيز هذه المراكز وتدريب العاملين فيها في الصفوف الأمامية للتعامل مع الحالات".

وتقول مصادر وزارة الشؤون الاجتماعية لـ"النهار"، أنها تسعى لإدراج الأسر الأكثر فقراً والفئات المدرجة ضمن لوائحها، "في صلب خطة التدخّل الحكومي التي أقرّها مجلس الوزراء، في محاولة لتخفيف عبء الأزمة التي يمكن أن يعدّ العنف الأسري أحد أبرز تجلّياتها".

وفي وقت أفاد مركز الدعم التابع لمنظمة "كفى" أن مجموع الخدمات الاجتماعية والقانونية التي قدّمتها خلال شهر حزيران قد بلغ 1113 خدمة، ترافقت مع ارتفاع الاتصالات، في إشارة تقلّص قدرتها الاستيعابية، أشارت الوزارة إلى أن عدد المستفيدات من خدمات المساحات الآمنة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، "بلغ 2879 سيدة وفتاة". وقد تمّ تعديل آلية العمل، "بما يتناسب مع إجراءات الوقاية المطلوبة مع انتشار كورونا"، حيث باتت خدمة الدعم النفسي الإجتماعي و إدارة الحالة للناجيات تؤمّن مؤقتاً عبر الهاتف.

وكان وزير السياحة والشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية قد أعلن في حزيران الماضي خطتها الاستراتيجية حول حماية المرأة والطفل، التزامه "حمايتهما ضد أي شكل من أشكال التعنيف أو التمييز، واحترام حقوقهما وصون مصالحهما والدفاع عنهما قولاً وفعلاً". وأوضحت مصادر الوزارة لـ"النهار" أنها استمرّت في توفير خدمة الرعاية المقيمة للنساء الناجيات من العنف الاجتماعي، "عبر المؤسسات المتخصصة المتعاقدة معها للغاية، (الملاجىْ الآمنة)"، والتي تستقبل الحالات، و"توفّر لهنّ خدمات متخصصة مع اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية خلال فترة التعبئة العامة". وهو الأمر الذي تراه الجهات المدنية الداعمة للنساء المعنفات غير كاف إطلاقاً.

"كورونا فضَح تقصير الدولة"

"نعتمد، في تمويلنا على جمعيات نسائية إنسانية، وأخرى منبثقة من الأمم المتحدة"، تقول روحانا، "إلّا أنّ النسبة المخصّصة للمعاشات محدودة، وبالتالي، لم يعد بإمكاننا رفع عدد المساعدات التي نقدّمها". الحالات في ازدياد، والقدرة الإستيعابية لـ"كفى" وللجمعيات النسائية تتقلّص أكثر فأكثر. "كورونا فضح تقصير الدولة"، تشدّد.

في هذا الإطار، تشير وزارة الشؤوون الإجتماعية إلى استكمالها، خلال فترة الحجر، "العمل على إعداد مشروع مرسوم إنشاء صندوق مساعدة الناجين والناجيات من العنف الأسري"، المنصوص عليه في قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري.

حال "م." كحال السيّدات الـ236 الجدد، اللواتي اتصلن خلال حزيران بـ"كفى". قد تختلف قصصهنّ، إلّا أنّ النهايات كثيراً ما تتشابه، والمطلوب واحد. فوجود المرأة بشكل متواصل مع معنّفها، في ظلّ ارتفاع حدّة التشاؤم والقلق النفسي حرّاء الانهيار المالي، زاد من حجم العنف الذي تتعرّض له، وزاد من صعوبة حصولها على المساعدة، في حالات كثيرة.

ولمّا تحوّل العنف الأسري إلى جائحة موازية لجائحة كورونا، قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: "شهدنا طفرة عالية مروّعة في العنف المنزلي، وفي بعض البلدان، تضاعف عدد النساء اللواتي يطلبن الدعم".

وتشير الوزارة إلى أن الاستجابة في موضوع الحماية "مستمرة ومتواصلة، وتقوم على جهود تراكمية نظراً لتشعّب هذه المسألة وارتباط توفيرها بأكثر من جهة مختصة معنية بهذا الملف، وبعوامل عدّة على المستوى الوطني، تطال الشق الثقافي والاقتصادي والصحي- النفسي والتشريعي إلى جانب الشق الإجتماعي".

في حيّز حديث الجمعيات وانطلاقًا من تجربتها العملية على الأرض اليوم وفي السنوات الماضية، كلّ الحديث عن الاستراتيجيات لا يساوي شيئاَ طالما بقيَ حبراَ على ورق يُعاد ضخّ الحياة فيه مع انتقال سدّة الوزارة من عهد الى آخر. 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم