الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

استيراد المشروبات الروحية شبه معدوم والصدارة للمنتَج المحلي... "كاسك يا وطن"!

المصدر: "النهار"
فرح نصور
استيراد المشروبات الروحية شبه معدوم والصدارة للمنتَج المحلي... "كاسك يا وطن"!
استيراد المشروبات الروحية شبه معدوم والصدارة للمنتَج المحلي... "كاسك يا وطن"!
A+ A-

ربّ ضارةٍ نافعة. في ظل الأزمة الاقتصادية المستفحلة في البلاد، ومع ارتفاع الأسعار والغلاء الجنوني، وبما أنّ الرواتب بالليرة اللبنانية بقيت على ما هي عليه ولم ترتفع بموازاة هذا الغلاء، كان لا بدّ من التوجه نحو الاستهلاك المحلي للمشروبات الروحية، فهي الأرخص. الناس يريدون فقط أن يستمتعوا. لا تهمّ جودة المشروب وإنّما سعره. ربّما هي فرصة لدعم الإنتاج المحلي من المشروبات الروحية على أنواعها. في هذا التقرير، نلقي الضوء على تأثير الأزمة الراهنة على استيراد المشروبات الروحية، على تحديات الصناعات المحلية لهذه السلع، لا سيما على تغيّر سلوك المستهلك وتوجّهه مرغماً إلى استهلاك الإنتاج المحلي منها.

 يستهول الزبائن في سوبرماركت كبيرة في بيروت الأسعار الجنونية للمشروبات الروحية. "الأسعار ليست طبيعية، ما كان سعره 25 ألف ليرة أصبح حوالي 63 ألفاً، وأصبحنا نشرب البيرة والنبيذ المحلي كي نوفّر، وحالياً، خفّفت المشروب كثيراً لأنّني لم يعد باستطاعتي تحمّل الأسعار الجنونية هذه"، تقول سيدة تبحث في الأسعار قبل نوع المشروب.

ويقف رجل يتأمّل الزجاجات ويجول في أرجاء قسم المشروبات، وعند استصراحه، يفضفض: "مع غلاء الأسعار أصبحنا بحاجة الى مشروب أكثر لكنّنا لا نمتلك ثمنه، أبحث عن بديل قوي للفودكا بأرخص الأسعار، وأبحث عن السعر الرخيص أولاً قبل نوع المشروب، فالمهم أن أسكر عليه. وارتفعت الأسعار حوالي ثلاثة أضعاف بالحد الأدنى، فليرفعوا أسعار جميع السلع ما عدا هذه المشروبات".

ورجل آخر يحمل جواله ويحسب من خلاله على الآلة الحاسبة نسبة غلاء المشروب ويجيب: "أنا شخصياً لم تتغيّر عادات استهلاكي المشروبات الروحية رغم ارتفاع سعرها لسبب واحد هو أنّني أعتقد أنّ أموالي في البنك اختفت، فأنفق ما يعطوني إياه بالليرة اللبنانية على سعر صرف 3850 ليرة، وأفضّل بذلك أن أنفقها على نفسي بدلاً من أن يضع المصرف يده على أموالي بالكام".

ويعتبر شاب يتفحص الأسعار أنّ "النبيذ المحلي في السوبرماركت أصبح أرخص من أوروبا لمن يقبضون مرتبهم بالدولار، أمّا سعر الويسكي، فزاد تقريباً 4 أضعاف وصرت أبحث عن الأرخص".

"الطلب خفّ على المشروبات الروحية من 50 إلى 60 % مقارنةً بالسنة الفائتة"، هذا ما يؤكّده نقيب مستوردي المشروبات الروحية ميشال أبي رميا، مشيراً الى أنّ "الاستيراد أصبح شبه متوقّف خاصةً للأصناف المعروفة، بسبب ارتفاع الدولار لأّن جميع التحويلات للاستيراد أصبحت fresh money، وللأسف نحن كقطاع لسنا مدعومين من مصرف لبنان، وتُعتبر هذه السلع كماليات بالنسبة إلى السلع الغذائية، لذلك، نُضطر إلى أن نشتري الدولار في السوق السوداء. أضف الى أن استيراد الأصناف المعروفة من الماركات أصبح شبه معدوم، فمنذ 4 أو 5 أشهر لم نستورد سوى شحنة أو اثنتين".

ويضيف أبي رميا أنّ "الناس يتوجهون حالياً إلى استهلاك الأصناف غير المعروفة، فهم لا يهتمون بالماركات إنّما بمشروب سعره مقبول. وجميع الأصناف الرخيصة زاد الطلب عليها، حتى المنتجات المحلية التي كان يشكل استهلاكها 10 إلى 20 % من الاستهلاك العام، أصبح يشكل اليوم 60 % منه. وينشط الاستهلاك المحلي حالياً، ليس فقط من خلال استهلاك النبيذ، إنّما أيضاً عبر استهلاك الويسكي والفودكا والجين، وأصبح يشكل هذا الاستهلاك 40 إلى 50 % بعد أن كان يشكل 10 % منه".

وعن الجدوى الاقتصادية لاستيراد لبنان كمية كبيرة من هذه السوائل، يشرح أبي رميا أنّ "هذا الاستيراد هو أولاً لتغذية القطاع السياحي، وثانياً، بحكم أنّ لبنان منفتح على الدول المجاورة، هذا ينشّط حركة شراء هذه المشروبات في محلات بيعها على الحدود اللبنانية حيث يشتريها الأفراد وهم ذاهبون إلى هذه الدول، وأسعارها مقبولة نسبةً إلى أسعارها في الدول المذكورة، بالإضافة إلى زيادة الاستهلاك اللبناني لهذه المشروبات والذي يرتفع كل سنة من 10 إلى 15%".

وبلغت قيمة استيراد المشروبات الروحية العام الفائت 80 مليوناً و879 ألف دولار، بينما بلغت قيمته من أول شهر كانون الثاني وحتّى آخر شهر أيار من السنة الجارية، 12 مليون و486 ألف دولار، وبحسب أبي رميا.

التحوّل نحو الإنتاج المحلّي

من جهته، يرى جوزف خير الله، صاحب مصنع للمشروبات الكحولية، أنّ "الأزمة الاقتصادية أثّرت سلباً وبشكل خاص على هذا القطاع، لأنّ هذه السلع تُعتبر ثانوية ولا تدخل ضمن المواد الغذائية، فمن ناحية المبيع لم يتحرك حتّى الآن لدي لأن نسب الأسعار التي ارتفعت جعلت الطلب على المشروبات تتقلص بسب الضيقة المالية التي يمر بها المواطن الذي أصبح كل تفكيره يصب في مواجهة صعوبات مالية لم يكن مستعداً لها، فالطلب خفيف جداً أي بنسبة 2 إلى 3% منذ بداية ارتفاع الدولار".

أمّا من ناحية التصنيع فيشرح خير الله "أننا ما زلنا لا ندري كيف ستكون السياسة التي ستطَبَق على المزارع في ما يتعلق بزراعة العنب والأسعار التي سيطرحونها جراء ارتفاع الدولار، رغم أنّ المزارعين يتوقعون ألّا يكون هناك طلب على العنب لأنّ الخمارات جميعها لم تستطع تصريف كلّ انتاجها، لذلك سيخفّ الطلب هذه السنة على العنب، وهذا تصوري الخاص، لكنّ الأمور ستنجلى بعد حوالي أسبوعين مع بداية موسم العنب".

وعن تحوّل الناس إلى المشروبات المحلية، يعتبر خير الله أنّ "الناس يفضّلون أكثر الجين والفودكا المحلية على الويسكي المحلية، لأنّهما أسلس من ناحية التصنيع. نحن نصنّع جميع أنواع المشروبات الكحولية، لكن هناك معوّقات في صناعة المشروبات الكحولية كالجين والفودكا والويسكي والكونياك وغيرها من المشروبات، لأنّها تتحلى بمميزات خاصة بالنسبة إلى التصنيع".

ويلفت إلى أنّ "عامل الثقة يلعب دوراً كبيراً، إذ إنّ ثقة اللبناني بالإنتاج المحلي متدنّية وخاصة بموضوع المشروبات الروحية، فاللبنانيون يضعون هذه الثقة بالنبيذ اللبناني لأنّه معروف بجودته عالمياً".

ويفصّل شرح العوامل التي تحول دون تصنيع هذه المشروبات في لبنان بالقول:"مثلاً صناعة الويسكي تتطلب حب القمح أو الذرة كي تكون سلسة وناعمة، أمّا هنا فإنتاج الويسكي ينطلق من السكر ومن مادة الميلاز، ما يُكوّن فرقاً في الطعم والجودة، وهناك عاملٌ آخر وهو البرادات حيث يجب أن تُخزّن هذه السوائل لفترة طويلة على درجة حرارة منخفضة كي تعطي الطعم المطلوب، كما تحتاج إلى خبرة كافية ووافية، هذه جميعها عوامل أساسية تعطي الطعم والرائحة في المشروبات.

من ناحيته، يلفت رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل، الى "مبادرات من مثيل أنه حتى الويسكي أصبح له نسخة لبنانية، فالمصانع في لبنان تطوّرت وهناك من يصنع السوائل الخفيفة، ومن يهتم بزيادة التصدير لهذه المشروبات والطاقات موجودة".

ويتابع "نشجع هذه الصناعات عبر تأمين المواد الأولية لها، وتقوم الحكومة بمبادرات لتشجيع القطاع الصناعي لكن هناك طبعاً عقبات، فمثلاً إذا أراد أي مستثمر أن يستورد آلات لمعمله أو أن يوسّع مصنعه، سيحتاج إلى fresh money، وهذه عقبة تجاه تطوير هذه الصناعة، لكن في سلم الأولويات بدأنا كخطوة أولى بتأمين المواد الأولية لهذه الصناعات".

ارتفاع الأسعار يغيّر عادات الاستهلاك

 ويشير رالف القاعي، المدير التنفيذي للتسويق في سوبرماركت "Spinneys"، إلى أنّه "مثل جميع السلع الاستهلاكية والمنتجات في البلاد، تأثرت أسعار البيع بسعر الدولار. وتختلف الزيادة في الأسعار بين المنتجات المحلية والمنتجات المستورَدة من مورّد إلى آخر. وبشكل عام، يمكننا القول إنّ منتجات الكحول المحلية مثل النبيذ والعرق، زادت بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15% لتصل إلى حوالي 25% على سلع البيرة، بينما وصلت الزيادة في المنتجات المستوردة مثل الشمبانيا والويسكي والفودكا 150-200%".

ويكمل القاعي: "لم تنخفض المبيعات والطلب على منتجات الكحول لأنّ المستهلكين يقومون بتخزين العناصر بسبب ارتفاع الأسعار واحتمال عدم وجود بعضها. بالإضافة إلى ذلك، لا يخرج الناس كما في السابق بسبب كورونا والوضع الاقتصادي، وبالتالي فقد زاد الطلب على استهلاك المنزل". أضف الى "وجود تحوّل في سلوك المستهلك من المنتَج المستورَد إلى المحلّي، على سبيل المثال في النبيذ والبيرة، ومن فئة إلى أخرى على سبيل المثال من الويسكي والفودكا إلى النبيذ والبيرة التي تُعتبر أرخص من حيث السعر".

وفي المحصلة، "كاسك يا وطن"!


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم