السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

التهريب في وضح النهار عبر معابر شرعيّة وغير شرعيّة شابتان اختبرتا الواقع: لا حسيب ولا رقيب

سابين أشقر
التهريب في وضح النهار عبر معابر شرعيّة وغير شرعيّة شابتان اختبرتا الواقع: لا حسيب ولا رقيب
التهريب في وضح النهار عبر معابر شرعيّة وغير شرعيّة شابتان اختبرتا الواقع: لا حسيب ولا رقيب
A+ A-

اتخذ مجلس الوزراء قرارات عدّة لضبط عمليّات التهريب. لكنّها ليست المرّة الأولى التي يُقرّر مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع التصدّي لهذه العمليّات التي تكبّد الخزينة خسائر فادحة، خصوصاً مع تهريب مادة المازوت في الفترة الأخيرة إلى سوريا. في العام الماضي أيضاً، وتحديداً في نيسان 2019، اتخذ المجلس الأعلى للدفاع قراراً بإقفال المعابر وتحديداً غير الشرعيّة. بدأت حينها الأجهزة الأمنية والعسكريّة العمل على ضبطها نظراً الى ما تسبّبه من أضرار اقتصاديّة جسيمة. وفي نيسان 2020 اتخذت الحكومة الحالية قراراً مماثلاً، وعندما عجزت عن الضبط قرّرت مصادرة كل ما يتعلّق بالتهريب، أي السيارات المحمّلة والحمولة وتقديمها إلى الجيش وقوى الأمن الداخلي. اللوائح كثيرة لكن الاختبار الحقيقي هو في حقيقة المصادرة وعدم التراجع عنها لمصلحة المهرّبين. والتحدّي الأكبر في القبض على كبار المهرّبين. فلا تكون العمليّة مجرّد تمثيليّة تطاول الصغار فحسب. بعد قرار مجلس الوزراء العام الماضي، قرّرت شابتان اختبار مدى جديّته فتوجّهتا إلى معبر القصر في الهرمل لتُعدّا تحقيقاً لقسم الصحافة في الجامعة الأنطونية. وكتبت إحداهما الآتي:

توجّهنا إلى معبر القصر - الهرمل الّذي وفقاً للمعطيات أقفل بتاريخ 3/7/2019. توغّلنا إلى بلدة القصر على الحدود اللبنانية - السوريّة، وفور وصولنا لاحظنا انّ بوابة المعبر مغلقة. لوهلة تبين ان المعبر فعلاً قد أقفل.

سيراً على الأقدام عبرنا البوّابة الحديد ولكن عبر طريقٍ فرعيّة ترابيّة، أي أننا دخلنا الى الأراضي السورية. البوابة مقفلة، اما المعبر فسالك.

مشاهد التهريب تبرز للعيان، شاحناتٌ تنقل الحجارة، وأخرى تنقل الخضار من سوريا عبر تلك البقعة الترابية لتدخل لبنان من دون حسيب او رقيب.

لم يكن وجودنا في هذه النّقطة مرغوباً فيه، وبعد نقاش ودي مع أحد أبناء المنطقة بدأت الأمور تتضح. روى لنا الشاب "ن.ن" أنّ المعبر لا يزال سالكاً، ومن اعتاد التّهريب يستطيع العبور عبر طريق فرعيّة إذا كانت البوّابة مقفلة من قِبل الجيش اللبناني. وعند إخلاء الجيش للمنطقة تفتح البوابة مجدّداً.

لتأكيد المؤكّد أصررنا على شراء بضاعة مهرّبة.

توجَهنا برفقة "ن. ن" إلى دكاكين صغيرة بعيدة عن الطريق العام. وبعد طمأنة "ن. ن" صاحب الدكّان بجملة "ما تخاف هنّي معي" تمكّنا من شراء منتج مكتوب عليه "مخصص للبيع في الجمهوريّة العربيّة السورية".

مع انخفاض القدرة الشرائيّة أصبحت البضائع السوريّة بديلاً للكثير من فقراء لبنان أو ذوي الدخل المحدود. والسّبب أنّ معظم الأصناف التي تدخل الأراضي اللّبنانيّة تخضع لفارق الأسعار وهو ما يجعل المنافسة مع البضائع اللبنانية غير متكافئة بل مستحيلة.

تدخلُ البضائع السوريّة عبر معابر شرعيّة وغير شرعيّة لـِ "تسرح وتمرح" على الحدود بين لبنان وسوريا وتُغرق السّوق اللّبنانية.

بحسب رئيس تجمّع المزارعين والفلّاحين في البقاع ابرهيم التّرشيشي: "المهرّب رجل خارج عن القانون، لا يخاف ولا يرتدع، وكلّ منتج زراعي في السوق اللّبنانية يُباع بسعرٍ منخفض معناه حكماً أنّهُ وصلَ بطريقةٍ غير شرعيّة من سوريا".

بحسب الترشيشي "العمود الفقري للتهريب هو ثلاث مناطق أساسيّة، وفي كل منها معابر عدّة:

- شمال وادي خالد.

- الهرمل – منطقة السيد علي.

- المصنع.

لم تعد تلك العمليّات تهريبا بقدر ما هي محميّة من بعض النافذين، غير الآبهين بالملاحقة والمحاسبة.

فارقُ أسعار المنتجات الزّراعيّة واضحٌ جدّاً. على سبيل المثال، كيلو البندورة اللّبنانية يصل إلى ألفين وخمسمئة ليرة. أمّا البندورة السّوريّة فتباع العلبة 28 كيلوغراما بِأحدَ عشر ألف ليرة أي ما يُقارب أربعمئة ليرة للكيلو الواحد.

هذا التفاوت يعود إلى فارق الكلفة، نوعية الأسمدة وجودتها، إلى التّسهيلات التي تمنحها الدّولة السوريّة كتوفير الأسمدة واليد العاملة الرّخيصة.

واوضح الترشيشي انّ كميّة الخسائر التي يتكبّدها المزارعون اللبنانيون لا تحصى ولا تُعدّ، والبضاعة السوريّة تعدم ايّ فرصة للمزارع اللّبناني الذي يلجأ إما لخفض الأسعار متحمّلاً الخسائر، وإمّا لإتلاف المزروعات الّتي يتعذر عليه تصريفها. واعتبر أنّ الحلّ الامثل للحدّ من ظاهرة التّهريب والمضاربة غير المشروعة هو إقامة الدّولة حواجز مراقبة على بوابة سوق الخضار وتقييد سجلّات البضاعة، للتّمكّن من القضاء على آفة تهريب السلع الزراعيّة السّوريّة.

التّهريب الأخطر عبر المعابر الشّرعيّة

لكن البضائع المهرّبة ليست من المنتجات الزراعية فقط إنّما هي متعددة ومتنوعة تشمل كلا من المشتقّات النّفطيّة، الحلوى، المعلّبات، المشروبات الروحيّة، الدّخان، مواد التّنظيف، مشتقّات الحليب وغيرها.

بحسب رئيس نقابة مربّي الأبقار في لبنان المهندس خير الجرّاح، فإن استمرار التّهريب عبر المعابر يدلّ على مدى تراخي الدّولة، من دون التّفكير بأقلّ ما يحمي اللّبناني، نظراً الى ما يشكّله التّهريب من مخاطر وخسائر إقتصاديّة.

ويؤكّد الجرّاح ان التواطؤ الاكبر هو عبر المعابر الشرعية، إذ لا يتم التأكّد من المنتجات الدّاخلة الى الاراضي اللّبنانيّة بحسب الرّوزنامة الزّراعية. إنّما ما يحدث على أرض الواقع هو الإكتفاء بالمراقبة السّطحيّة، الإتّفاق، ومن ثمّ الدّخول فيستفيد المهرّب من تخبئة المنتجات غير المسموح بإدخالها.

فروقات في الأسعار

بحكم الواقع الجغرافي المتداخل بين لبنان وسوريا، يدخل نحو2000 تنكة مهرّبة من الجبنة البيضاء شهريّاً عبر المعابر الشّرعيّة. "ما في جنس الضّمير، المهم دفع المعلوم" بحسب الجرّاح.

تنكة الجبنة البيضاء التي تدخل الاراضي اللبنانية من دون برّادات ورقابة جرثوميّة ومخبريّة يراوح سعرها ما بين 70 و75 ألف ليرة. في حين انّ الجبنة البيضاء من صنع لبناني لا تقلّ كلفتها عن 110000 ليرة لبنانيّة.

الفارق الكبير في الأسعار جعل اعداد القطعان تتضاءل في لبنان.

ويؤكّد الجراح انه أمام المنافسة غير المشروعة فالمزارع اللّبناني لا ينتج بل على العكس هو يخسر بحدود الـ25 إلى 30٪ من كميّات الحليب المنتجة فضلاً عن تراجع المبيعات.

بضائع من غير مراقبة صحيّاً

الفارق الكبير في الاسعار يعود الى فرق الكلفة ايضاً، إذ انّ الدولة السورية تؤمن العلف لمزارعيها، وبالتّالي المنتج السوري ارخص سعراً والمزارع اللبناني وحده من يتحمّل نتيجة هذا الفلتان الامني تدهور مصدر عيشه وقطاعه الاقتصادي.

رفيق ابي حيدر وهو مربّ وموزع دواجن وبيض يؤكد ان نحو ألف صندوق بيض يهرّب يومياً من سوريا الى لبنان.

يباع الصندوق السوري بسبعة عشر دولاراً، امّا الصندوق اللبناني فيباع باثنين وعشرين دولاراً، في حين انّ كلفته الاساسية ثمانية وعشرون دولاراً. لكن المزارع اللبناني اضطّر الى خفض سعره ليتمكن من بيعه، ممّا انعكس سلباً على المزارعين اللبنانيين الذين اضطر بعضهم الى اقفال مزارعهم نظراً الى عدم القدرة على المنافسة وتغطية التكاليف.

ويؤكّد ابي حيدر انّ البيض السوري يُغرق الاسواق اللبنانية من عكار مروراً بطرابلس وصولاً الى بيروت والبقاع وغيرها من المناطق. ويقول: "لا نطالب بدعم مادّي من الحكومة، كلّ الذي نطلبه هو وقف التهريب، والتشدّد في الرقابة على المعابر البرّية الشرعية والطرق والمناطق التي يحصل تهريب من خلالها".

واستغرب كيف انّ بعض المنتجات السورية والبيض تباع داخل السوبرماركت بالكراتين السورية من دون أي منع أو رقابة أو حتى أي منع يُذكر من قِبل الدولة.

خسائر جسيمة

لفت الخبير الإقتصادي زياد ناصر الدين إلى انّ لبنان يستورد بنحو 20 مليار دولار سنويّاً، أمّا الجمارك فلا تحصّل سوى ربع هذا الرّقم اذ يتم التلاعب بتسجيل نوع البضاعة وتصنيفها لدفع رسوم أقل.

ويقدر ناصر الدّين الخسائر المباشرة على خزينة الدولة بما بين 300 و500 مليون دولار سنويّاً عبر المعابر الشرعيّة، وحوالى 200 مليون دولار خسارة عبر المعابر غير الشرعيّة، أي ان 89٪ من التهريب يتم عبر المعابر الشرعية في حين أنّ 11٪ من التهريب يحصل عبر المعابر غير الشرعيّة.

وأكّد أنّه في حال ضبطت المعابر سيدخل إلى خزينة الدّولة نحو 2,5 ملياري دولار ايرادات ضريبية وجمركية.

دور مديريّة الجمارك في مكافحة التهريب

أكّد مصدر أمني ان مديرية الجمارك تعاني من نقص في عدد عناصرها، ولكي تقوم بمهماتها على أكمل وجه تحتاج إلى حوالى 10000 عنصر فيما لا يتجاوز عديدها اليوم الألف.

وأكد المصدر أنّ للجيش دورا كبيرا في مكافحة التهريب أيضاً، إذ يتم التنسيق بين قواته على الحدود وبين أمن الدولة داخل الأراضي اللبنانية.

أما عن التهريب عبر المعابر الشرعيّة، فأشار الى أنّ مديرية الجمارك عملت على خطة استراتيجية من شأنها إحالة كل موظف يحاول التلاعب بسجلات البضاعة أو الغشّ على القضاء، وكان آخرها إحالة 13 موظفا على القضاء، هم عشرة عسكريين وثلاثة موظفين إداريين.

عملاً بالتعميمين رقم22/ 64 و43/ 64 الصادرين عن إدارة الجمارك، باستطاعة كل مواطن مساعدة الإدارة الجمركيّة من خلال التبليغ عن عمليات التهريب والغش التجاري.

إقفال طرق ومعابر تُستخدم للتهريب في منطقة الهرمل

صدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه امس البيان الآتي:

في إطار إجراءات ضبط الحدود والحدّ من عمليات التهريب، أقفلت وحدة من الجيش ودورية من مديرية المخابرات بالسواتر الترابية، ثلاث طرق في محلة رأس المال ـــ الهرمل تُستخدم لتهريب السيارات المسروقة. كما أقفلت معبرين للتهريب في منطقة المشرفة، وخمس طرق ترابية في محلة حرف السماقة ـــ الهرمل تُعتمد لتهريب السيارات المسروقة والبضائع.

ما هو دور وزارة الاقتصاد وحماية المستهلك في حال الإبلاغ عن عمليّات تهريب؟

تعمل مديريّة حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد على مكافحة المؤسسات التي تعمل بصورة غير شرعيّة وتُنافس المؤسسات الشرعيّة.

عند تلقّيها معلومات تتعلّق ببضائع مهرّبة، تحيلها على مديريّة الجمارك. حينها تعمل وزارة الإقتصاد بالتنسيق مع الأجهزة الأمنيّة على مصادرة البضائع المهرّبة وتسطير محاضر ضبط يمكن أن تصل إلى عشرات الملايين، اضافة إلى اتخاذ قرارات بالإقفال ثلاثة أيّام، وفي تكرار المخالفة يصار إلى الإقفال النهائي.

غداً: ما هو وضع المعابر والحدود 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم