السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تغيير وجه لبنان

غ. ح.
تغيير وجه لبنان
تغيير وجه لبنان
A+ A-

هل هي أزمة مالية فقط، أم غياب حسن التدبير، أم مؤامرة على المدرسة الخاصة لتغيير وجه لبنان؟ كل الاحتمالات واردة. الأزمة المالية تصيب اليوم كل القطاعات، فيما الدولة عاجزة عن توفير الضروريات من دعم المواد الأولية، أي الفيول والطحين والدواء. وليس واضحاً كم يكفي الاحتياط الموجود لدى مصرف لبنان لتوفير هذه المواد المرتبطة بالحياة. لكن الأزمة المالية لدى المدارس ليست وليدة اليوم، فقد نشأت مع سلسلة الرتب والرواتب التي أرهقت موازنات المدارس الخاصة، خصوصاً الصغيرة منها. وأنا شاهدٌ على عجز مدرسة مشغرة لراهبات القلبين الأقدسين عن توفير ثمن المازوت للتدفئة قبل أعوام بسبب تأخر الأهالي في دفع الأقساط في مواعيدها لتتمكن المدرسة من الإيفاء بالتزاماتها.

أما غياب حسن التدبير فهو مشترَك ما بين الدولة وادارات المدارس. فالدولة شرَّعت عشوائياً من دون دراسة وافية للارتدادات والتداعيات، علماً أن من حق المعلمين الحصول على رواتب تقيهم شر العوز والفقر، لكن الدولة بتشريعاتها شرّعت أيضاً الأزمات العلائقية بين مكونات التعليم، فيما لم تعمد ادارات المدارس الى تغيير نوعية الادارة والأداء، ودمج المدارس الصغيرة، وجعل أخرى أكثر تخصصاً، أو الافادة من الأماكن في نشاطات أخرى، ولو كان طابعها تجارياً. والواقع أني ألوم المدرسة الكاثوليكية لأنها في مؤتمراتها السنوية لم تجرؤ على طرح بحث عميق في الدور المستقبلي لها في ظل عالم متغير ولبنان متبدل. والمسؤولية تقع عليها في قيادة المؤسسات التربوية الاخرى، لانها الاعرق والاقدم والاكثر خبرة وانفتاحا على الغرب بثقافاته وانظمة التعليم فيه.

والى المؤامرة، ومع أني لا أحبذ الوقوع في فخ الكلام عن المؤامرات دائماً، وتصديقه، والعمل في إطاره، إلا أنه يمكن اعتبار الدفع باتجاه إقفال المدارس الخاصة، نوعاً من المؤامرة، من دون تحديد الجاني، وإنما تحديد المستفيد فقط. والدولة ليست مستفيدة حتماً لأنها ستغرق في أعداد هائلة من التلاميذ ليست قادرة على استيعابهم وتوفير العلم الجيد لهم، وما ممارسات عدد من الوزراء ضد المدرسة الخاصة الا جهل أكيد وعملية نفسية معقدة لها جذورها في ماضي الوزراء والمسؤولين وطفولتهم. إن إقفال المؤسسات العريقة، والكاثوليكية منها، أو الإرسالية على وجه التحديد، إنما يصب في خدمة المشروع الهادف الى تغيير هوية لبنان، والذي انطلق منذ ما بعد انتهاء الحرب تحديداً، عبر توسيع شبكات جديدة من المدارس، وإنشائها حيث لا حاجة فعلية إليها، الا من باب منافسة المدارس القائمة، وإضعافها تمهيداً للإنقضاض عليها.

ان المدارس التي زرعت الانفتاح، ودرّبت على قبول التعدد والتنوّع، تتقلص حجماً ودوراً، لمصلحة مدارس دينية – حزبية أخرى، تهدف الى التنشئة الحزبية – المذهبية – السياسية منذ الصغر، لضمان جيل جديد يقوم على انماط تفكير محددة، لا تعرف التنوّع، ولا تقبل الآخر المختلف، وتتدرب على الولاء الأعمى لمشروع سياسي قد يتجاوز حدود لبنان، علماً أن تلك المدارس تملك الإمكانات المالية الكبيرة وليست مهددة بالإقفال. وهذا ما يجعل أحزاباً معروفة هي المستفيدة، بما تحمل من أهداف واضحة منذ زمن، وإن باتت غير معلنة ومغطاة بغلافات لامعة لا تخفي حقيقتها، وحقيقة نظرتها الى لبنان الصيغة والميثاق والرسالة.

المدارس الخاصة العريقة لا تبحث عن المال فقط، ربما باتت تبحث عن الهوية والدور الكياني في بلد متعثر بعد انقضاء مئة سنة على قيامه.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم