السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تَصَوَّرْ نفسكَ أنّكَ لستَ موضع احترامٍ من أحد

عقل العويط
عقل العويط
تَصَوَّرْ نفسكَ أنّكَ لستَ موضع احترامٍ من أحد
تَصَوَّرْ نفسكَ أنّكَ لستَ موضع احترامٍ من أحد
A+ A-

انطلاقًا من وقائع يوم أمس الثلثاء، الحادي عشر من شباط 2020، وعلى هامش تلك الوقائع، ولا سيّما ما يتعلّق منها بجلسة مجلس النوّاب المخصّصة لمناقشة البيان الوزاريّ الذي تقدّمت به الحكومة الجديدة لنيل الثقة، أقترح على القرّاء، أنْ يتصوّر كلٌّ منهم المشهد الآتي، أكانوا أناسًا معلومين أم مجهولين، مشتغلين في الشأن العام أم في الشأن الخاصّ، أصحاب سيادةٍ وسلطانٍ ومالٍ أم مواطنين أحرار ثوّار منتفضين عاديّين متواضعين وعلى قدْر الحال، تحت المجهر أم في الظلّ.

تَصَوَّرْ نفسكَ، أيّها الإنسان، أنّكَ لستَ موضع احترامٍ من أحد، حيثما ذهبتَ وحيثما حللتَ.

تَصوَّرْ فقط هذا المشهد.

افترِضْه افتراضًا فحسب.

تَصَوَّرْ هذا المشهد، وافترِضْه، محضَ تصوّرٍ ومحضَ افتراضٍ فحسب، باعتباركَ رجلًا أو امرأةً. شابًّا أو شابّةً. ولدًا أو شيخًا. بالغًا راشدًا أو فتًى مراهقًا. لا فرق.

تَصَوَّرْ هذا المشهد، وافترِضْه، محضَ تصوّرٍ ومحضَ افتراضٍ فحسب، باعتباركَ شخصًا عاديًّا. باعتباركَ عاملًا. باعتباركَ موظَّفًا. باعتباركَ ربَّ عائلة. باعتباركَ أستاذًا. باعتباركَ تلميذًا طالبًا جامعيًّا. باعتبارك سائق تاكسي. باعتباركَ تاجرًا. باعتباركَ مزارعًا. فلّاحًا. صاحب صنعة. عاطلًا عن العمل. إلى آخره. إلى آخره...

ثمّ تَصَوَّرْ هذا المشهد، وافترِضْه افتراضًا، محضَ تصوّرٍ ومحضَ افتراضٍ فحسب، لكنْ باعتباركَ من أهل الطبقة السياسيّة، من أهل السلطان والنفوذ والجاه والكمال، مسؤولًا كبيرًا، كبيرًا جدًّا جدًّا جدًّا، وكبيرًا للغاية، قائدًا، حاكمًا، نائبًا، وزيرًا، زعيمًا حزبيًّا، زعيمًا روحيًّا، إلى آخره، إلى آخره.

... وأنّكَ لستَ موضعَ ثقةٍ، ولا موضعَ احترامٍ، ولا موضعَ ترحيبٍ، لا من قريبٍ ولا من بعيد.

تَصَوَّرْ هذا المشهد، وافترِضْه افتراضًا، محضَ تصوّرٍ ومحضَ افتراضٍ فحسب.

فماذا كنتَ لتفعل، لو أنّكَ لستَ موضعَ ثقةٍ، ولا موضعَ احترامٍ، ولا موضعَ ترحيبٍ، لا من قريبٍ ولا من بعيد؟

هذا التصوّر، هذا الافتراض، هذا الاحتمال، أخذ منّي ليلَ أمس (أخذ منّي شخصيًّا أنا نفسي بالذات) كلّ مأخذ، واستولى عليَّ استيلاءً كابوسيًّا، بعد وقائع جلسة الثقة (؟!) التي تُعتبر حدثًا غير مسبوق في معايير المهانات الوطنيّة اللبنانيّة.

لقد منعني هذا التصوّر، هذا الافتراض، هذا الاحتمال، منعًا باتًّا من النوم، فبتُّ ليلتي أتقلّب حينًا في فراشي، وأحيانًا منتقلًا إلى الصالون، إلى قاعة الطعام، إلى المطبخ، إلى الرواق، في العتمة الماحقة، واقفًا جالسًا ماشيًا متأمّلًا ذاهلًا منصعقًا ضاغطًا رأسي بيديَّ الإثنتين، صارخًا بصوتٍ أبكم: لا. لا. لا. نجِّني يا ربّ من هذا التصوّر، من هذا الافتراض، من هذا الاحتمال!

أختم بما يأتي:

فليعثر الناس المواطنون العاديّون الأحرار المنتفضون الثوّار التائقون إلى تغيير الحياة السياسيّة والوطنيّة اللبنانيّة، وصولًا إلى قيام دولة الحقّ والقانون والكرامة، فليعثروا في مشهد يوم أمس الثلثاء، وفي نتائجه ومترتّباته، لا على سبب لليأس والقنوط والإحباط، ولا على سبب لإشاعة الخيبة والمرارة في الصفوف، بل على سبب للاعتزاز الأعظم.

ألا يكفي هؤلاء الناس المواطنين العاديّين الأحرار المنتفضين الثوّار التائقين إلى تغيير الحياة السياسيّة والوطنيّة اللبنانيّة، ألا يكفيهم أنّ هذا التصوّر المشار إليه أعلاه، أنّ هذا الافتراض، أنّ هذا الاحتمال، لا ينطبق على أيٍّ منهم، لا من قريبٍ ولا من بعيد؟!

احترامي العظيم لكلّ واحدٍ من هؤلاء!

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم