السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الشرفة الدائخة

عقل العويط
عقل العويط
الشرفة الدائخة
الشرفة الدائخة
A+ A-

ليل أمس، لم أقع من الشرفة. دواري لم يكن كافيًا لتجسيد الوقوع. كان ثمّة خيطٌ غير مرئيٍّ يحول بيني وبين توثيق الواقعة. الخيط هذا، طرفه الآخر لم يكن في يدي. على كلّ حال، لم يكن في مقدوري، أنا الكائن السفليُّ، الوصول إلى المرأة العالية الممسكة بالحبل من جانبه القصيّ الثاني. كان ينبغي لي أنْ أقع من تلقائي. هذه علامة الصرع الحقيقيّة. كان ينبغي لي أيضًا أنْ لا أرى جيّدًا أمامي لكي لا أتحكّم بالفارق بين الشرفة والفراغ الذي يليها. مثل هذه الدربة الصوفيّة، تحدث فقط للأولياء، وللذين تتغبّش عيونهم بالمطر، فيعتبرون الغبش رؤيا. أو هي تحدث فقط، للذين تتغبّش عيونهم بما يعجز المطر عن أنْ يكونه؛ الجنون مثلًا؛ جنون الجموح الشبِق الأعمى، وما يليه، في معيار البصر اللاواعي.

ها أنا أتعلّم الحبّ في وقتٍ متأخّرٍ من حياتي، كما لو أنّي لم أُحبِبْ قبلًا، أو كأنّي لم أتعلّم أنْ أموت من قبل. أتعجّب من قلبي كيف ينصت وهنُ قلبي هذا،إلى كلام تلك المرأة العالية التي لا يفصح صوتها عن كلمةٍ حبٍّ واحدة. علمًا أنّ صوتها حبٌّ جحيميٌّ كلّه، وكلّه شهوةٌ وشبقٌ وتحليقٌ ونشوةٌ، وما يلي الحبَّ والشهوة والشبق والتحليق والنشوة، من تصعيدٍ لا يُدرَك مرامُه إلّا بالعقل المطعون بسرّه، أي بنقطة ضعفه القلبيّة.

يا لَشجاعة العقل عندما تُكتَشَف نقطة ضعفه القاتلة. إنّما شجاعتُهُ القصوى، عندما يكشف بتلقاء وعيه، نقطةَ الضعف القلبيّة تلك. آنذاك، يدرك العقلُ أنّ أجمل ما يُصاب به العقل، هو أنْ يُقتَل، بمحض قلبه، وبمحض الوعي الفلسفيّ معًا، فيضع يده في موضع القتل، ويبتسم بحنانِ مَن لم يبتسم من قبل.

أمّا المرأة تلك، فيا لَشجاعة المرأة العالية تلك، حين تمسك بيد الشرفة، وحين تروح الإثنتان، هي والشرفة، تتواطآن، وتستسلمان للدوار، من أجل أنْ يستولي عليهما الدوار معًا. آنذاك تستطيب المرأة تلك، انحدارها الخفيّ إلى موضعَي القلب والرحم، حيث تتواكب أوركسترا الدوار المهيبة، وتتآخى آلاتها، صنوجها وناياتها والأبواق، في إطلاق النشيد الذي لا يكتمل إلّا بالامّحاء.

يمكنني الآن أنْ أعترف كم أنا أخيرٌ في الحبّ. يمكنني الآن أنْ أعرف مثلًا، كم ينبغي لي أنْ أمثل تحت تلك الشرفة الدائخة، لابسًا قبع الإخفاء، ممحوًّا في الحجم، في الفضاء، في الهواء، في حبق الجنون، تحت الغيمة الشاهدة على الدوار، متتلمذًا، كمراهقٍ يسعفه الحظّ في أنْ يحظى بمَن تترك قلبها يلتئم في جحيم الشرفة والدوار.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم