السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

حرائق الغابات تتهدّد العالم

المصدر: "النهار"
جورج متري- أستاذ جامعي وخبير في الغابات
حرائق الغابات تتهدّد العالم
حرائق الغابات تتهدّد العالم
A+ A-
تعتبر الحرائق البرية في العديد من النظم الإيكولوجية ظاهرة طبيعية وضرورية. فهي تعمل على إزالة المواد العضوية المتحللة، واستعادة المواد الغذائية إلى التربة، وحتى مساعدة بعض النباتات على الإنبات. ولكن في السنوات الأخيرة، جعلت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الضرر الناجم عن الحرائق الكبيرة والمتكررة كارثي على المستويات كافة.

مما لا شك فيه، تساهم الحرارة المرتفعة والجفاف وإزالة الغابات في زيادة خطر حرائق الغابات. وليس من قبيل المصادفة أن نرى شهر تموز الماضي كأحر شهر على الإطلاق في التاريخ المسجل. يشاهد العالم الآن حرائق غابات هائلة من الأمازون إلى الدائرة القطبية الشمالية بما في ذلك ألاسكا وسيبيريا، وقد أجبرت الحرائق عمليات الإجلاء في العديد من أنحاء العالم. أما الدخان الناتج من بعض الحرائق سيئ للغاية ويمكن رؤيته من الفضاء وقد غطى أجزاء كبيرة من أميركا الجنوبية والقطب الشمالي..


يوم الاثنين الماضي تحول نهار ساو باولو إلى مظلم حيث تسببت حرائق غابات الأمازون والتي اندلعت على بعد أكثر من 1600 كم في تمدد سحابة الدخان فوق أكبر مدينة في البرازيل. "الأمازون، وهي أكبر غابة استوائية في العالم، عادة ما تكون مقاومة للحرائق، لكن التغيرات المناخية جعلتها أكثر جفافًا من المعتاد مما ساهم في تمدد النيران الكثيفة لأكثر من أسبوعين"، أضاف متري. وعلى الرغم من أن هذا هو الوقت من العام الذي يشعل فيه المزارعون الحرائق في كثير من الأحيان لتحضير المناطق المخصصة للزراعة والرعي، فقد شهدت غابات الأمازون عددًا قياسيًا من الحرائق هذا العام. في حالة الأمازون، تعتبر الحرائق علامة لا لبس فيها على كيفية قيام البشر بتغيير المعالم الطبيعية لهذا الكوكب بشكل جذري. لغاية اليوم أزيلت الغابات في الأمازون بنسبة 15 في المئة مقارنة بحالتها البدائية ويشعر العلماء بالقلق من أنه إذا وصلت النسبة إلى 25 في المئة سوف تعبر منطقة الأمازون نقطة تحول تؤدي بها إلى "السافانا"، أي أراض متدهورة ذات إنتاجية نباتية ضعيفة مقارنة بالغابات الحالية. سيكون لهذا التحول عواقب وخيمة على بقية العالم كذلك، بالأخص أن غابات الأمازون تنتج كميات هائلة من الأوكسيجين وتمسك نباتاتها وتربتها بمليارات الأطنان المترية من الكربون والتي يمكن أن تتأكسد في شكل غازات تساهم في الاحتباس الحراري وبالتالي تزيد الأزمة المناخية صعوبة بحيث يصعب التعامل معها. هذا، وذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في وقت سابق من هذا الشهر أن المناطق المحمية مثل غابات الأمازون ستكون جزءًا لا يتجزأ من التخفيف من تغير المناخ. ولكن، ومع الوتيرة الحالية لحرائق الغابات وإزالة الغابات، يسير العالم بسرعة في الاتجاه الخاطئ.


 

على الجانب الآخر، تصاعدت وانتشرت سحابة من الدخان والسخام، بحجم أكبر من مساحة الاتحاد الأوروبي، عبر سيبيريا حيث اندلعت على مدى ثلاثة أشهر حرائق غابات لم يسبق لها مثيل في دائرة القطب الشمالي. تبعث هذه الحرائق في المنطقة المتجمدة عادةً، والتي تعد جزءًا مهمًا من نظام تبريد الكوكب، بثاني أكسيد الكربون في الجو فتزيد أيضا من اضطرابات المناخ. في شهر حزيران من هذه السنة نتج من الحرائق الضخمة في شمال روسيا وألاسكا وغرينلاند وكندا 50 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون و79 مليون طن آخر في شهر تموز، وهو ما يتجاوز بكثير الرقم القياسي السابق لمنطقة القطب الشمالي. وقد عانت روسيا الأكثر في الشهر الماضي حيث دمرت الحرائق لمدة شهرين 4.3 ملايين هكتار من غابات التايغا. وكان الخبراء قد توقعوا موسم حريق طويلاً في ألاسكا بسبب ذوبان الثلوج قبل عدة أسابيع من المعتاد في أجزاء كثيرة من الولاية.


تزداد الحرائق تواتراً في الغابات الواقعة في دائرة القطب الشمالي، وكلما زاد عدد الحرائق هناك زادت تدفئة الأرض المنكوبة أكثر لأن الأشجار لم تعد موجودة لتظليلها، مما يؤدي بدوره إلى إذابة أسرع للجليد ينتج منها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهما غازات دفيئة تؤدي إلى تفاقم الاحترار المناخي لعقود قادمة. وتخزن النظم البيئية في ألاسكا كميات هائلة من الكربون في التربة الصقيعية والتربة التي تراكمت على مدى آلاف السنين. وتؤدي حرائق الغابات إلى زعزعة استقرار مخازن الكربون هذه في حين يستقر السخام الأسود الناتج من الحرائق على ما تبقى من جليد القطب الشمالي، مما يضعف قدرته على عكس حرارة الشمس ويسرع في ذوبانه.

القطب الشمالي وغابات الأمازون ليسا المنطقتين الوحيدتين المنكوبتين بالحرائق هذا العام كما أوضح متري. فقد شهد الاتحاد الأوروبي في فترة محددة من هذه السنة عدد حرائق يعادل أربعة أضعاف المتوسط السنوي خلال العقد السابق. وأجلي اخيراً نحو 8000 شخص في غران كناريا بسبب حريق هائل. وقال رئيس قسم الطوارئ في غران كناريا إن الحرائق الأخيرة أصبحت الآن أسوأ بكثير - "لا شيء مثل تلك التي اعتدناها" - عندما عملت العائلات في الريف والغابات كانت أكثر تنظيماً. ويكافح رجال الاطفاء حرائق الغابات على نطاق لم يسبق له مثيل منذ 20 عاما في اسبانيا. هذا ووضعت جنوب فرنسا في حالة تأهب غير مسبوق حيث انحرفت معظم أوروبا الغربية في موجة حرارة شديدة في أوائل الصيف. وقد أكد العلماء أن الموجة الحارة لأوروبا في عام 2019، كما في العام الماضي، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأزمة المناخية وأن مثل هذه الظواهر المناخية الشديدة ستكون أكثر احتمالًا خلال العقود المقبلة.

أما في لبنان، رصدت الأقمار الاصطناعية أكثر من 270 حريقًا كبيرًا لغاية اليوم في جميع أنحاء البلاد نتج منها خسارة ما لا يقل عن 2.5 مليوني شجرة (أي أكثر مما تم تحريجه خلال العقدين الماضيين). وعلى رغم أن حرائق الغابات شائعة في لبنان خلال أشهر الصيف، فإن الضعف في إدارة الغابات وتغير المناخ يساهمان في انتشار الحرائق إلى المناطق التي لم تصل إليها من قبل، مع تمدد للنيران لفترات أطول ومساحات أكبر. ويشمل ذلك غابات اللزاب الواقعة على ارتفاعات عالية والتي تأثرت أيضا بالنيران هذه السنة. وفي حين أن لبنان بحاجة ماسة إلى زيادة مساحة غاباته المحمية، تأثرت هذا العام ثلاث محميات طبيعية على الأقل بالحرائق.

في سياق المخاطر العالمية المتزايدة للحرائق، هناك أهمية للتعامل مع خطر الحرائق المتزايد في المستقبل والحد من نتائجها السلبية. في هذا الإطار تعد إدارة الأراضي الطبيعية من ضمنها الغابات والاقتصاد الحيوي والمستدام المرتبط بها أدوات أساسية لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الكوارث البيئية المستقبلية. فكما يجب أن نعتني بصحتنا بدلاً من اللجوء إلى المسكنات لتقليل الألم عند مرضنا يجب الاهتمام بصحة واستدامة الأراضي والغابات الطبيعية واتخاذ كافة الإجراءات الوقائية بدل الانتظار والتعامل مع الكوارث التي تضربها وتضر بها وتالياً تهدد أمن المجتمعات البشرية كافة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم