فوضى السماء: كيف تشلّ الـ "درونز" والهجمات السيبرانية مطارات أوروبا؟

في زمنٍ تحوّلت فيه التكنولوجيا من أداة راحة إلى سلاح تهديد، وجدت المطارات الأوروبية نفسها محاصرة بين نارين: الطائرات المسيّرة وهجمات من القراصنة السيبرانيين. وذلك بعد أن شهدت سلسلة من الاضطرابات غير المسبوقة، راوحت بين تهديدات جوية بطائرات مسيّرة وهجوم سيبراني، ما أدى إلى إلغاء مئات الرحلات وتأخيرها. لم تكن هذه مجرد اضطرابات، بل كانت سلسلة من الإشارات الخطيرة التي شلّت أهم البوابات الجوية للقارة، وأثارت تساؤلات ملحّة حول قدرة أوروبا على الصمود أمام التهديدات التي تستهدف سلامة الطيران نفسه.
هجوم سيبراني وطائرات مسيّرة تعطل مطارات كبرى
الأسبوع الماضي توقفت الحركة الجوية في مطاري النرويج وكوبنهاغن الأكبر في الدانمارك، بعدما رُصدت طائرات مسيّرة تحلّق في الأجواء. وأكدت الشرطة أن طائرتين أو ثلاثاً شوهدت في مناطق مختلفة من محيط المطار.
الحادثة ليست الأولى، بل تأتي في ظل تحذيرات متكرّرة من المخاطر الأمنية للطائرات المسيّرة فوق المطارات. ففي السنوات الأخيرة، أُغلقت مدارج مطارات أوروبية كبرى مثل غاتويك في بريطانيا وفرانكفورت في ألمانيا بعد حوادث مشابهة.
وفي تطوّر موازٍ، أعلنت مطارات أوروبية عدة، بينها هيثرو في لندن وبروكسل وبرلين، عن تعرّض أنظمة تسجيل الوصول وإنزال الحقائب لعطل واسع، بعد هجوم سيبراني استهدف شركة Collins Aerospace، المزود الرئيسي للأنظمة الإلكترونية في المطارات.
وقالت الشركة الأم RTX إنها رصدت "خللاً سيبرانياً" في برمجياتها، مؤكدةً أن العطل اقتصر على الخدمات الإلكترونية من دون أن يشمل عمليات الطيران الأساسية. لكنّ الاعتماد على التسجيل اليدوي تسبب بفوضى كبيرة وتأخيرات إضافة إلى عشرات الإلغاءات.
وبحسب بيانات Cirium، أُلغيت 29 رحلة حتى ظهر 20 أيلولسبتمبر في هيثرو وبروكسل وبرلين، من أصل أكثر من ألف رحلة مجدولة. كما تأثرت مطارات أخرى بشكل جزئي مثل دبلن وكورك في إيرلندا.
نقاط ضعف رقمية
خبراء أمن المعلومات حذروا من خطورة الاعتماد المفرط على مزوّد واحد للأنظمة، بحيث يؤدّي أي اختراق أو خلل إلى تعطيل جماعي لمطارات عدة في وقت واحد.
وحول ذلك، يعّلق الدكتور في التكنولوجيا المالية والخبير في الذكاء الإصطناعي من جامعة السوربون في باريس نديم الفحيلي، في حديث الى "النهار"، أن تعطل أنظمة المطارات الأوروبية أظهر مدى هشاشة الترابط الرقمي الموحد بينها.
وأضاف: "هذه الحوادث تكشف بوضوح ضعف البنية التحتية الرقمية الموحدة لقطاع الطيران أمام الهجمات الإلكترونية. فالاعتماد على مزوّد تقني واحد لخدمات مطارات عدة يشكل نقطة فشل حرجة: فإذا تعطل هذا المزوّد بسبب خلل تقني أو اختراق أمني تنتقل العدوى الرقمية إلى جميع المطارات المعتمدة عليه. لذلك يُعد التركيز على مزوّد واحد خطأ استراتيجياً في العالم الرقمي الحديث".
ورأى الفحيلي أن من "الممكن للهجمات السيبرانية أن تتطور من مجرد إرباك خدمات ثانوية إلى تهديد مباشر لسلامة الطيران، إذا تمكن القراصنة من اختراق أنظمة أكثر حساسية ترتبط بتوجيه الطائرات وأمانها. فمثلاً، تعطيل نظام تسجيل الوصول أو منصات إصدار بطاقات الصعود يؤثر على الرحلات وينتج منه تأخير وإرباك لكنه لا يمس جوهر سلامة التحليق. بيد أن الخطر الحقيقي يكمن في احتمال تسلل الهجوم إلى شبكات الملاحة أو الاتصالات الحرجة بين الطائرات ومراكز المراقبة الجوية".
واعتبر أن من "الممكن أن تتصاعد تهديدات الحرب السيبرانية الهجينة التي قد تستهدف أنظمة الملاحة الجوية (كأنظمة الـ ATC الخاصة بمراقبة الحركة الجوية) أو تُحدث تداخلاً في إشارات الـ GPS والاتصالات، مما قد يؤثر مباشرة على توجيه الطائرات وسلامة الرحلات".
أسوأ السيناريوهات
كذلك، أشار الفحيلي إلى أنه "بات معروفاً أن الطائرات نفسها ليست بمعزل عن الخطر: ففي تجربة شهيرة عام 2017 تمكّن فريق بحثي من اختراق أنظمة طائرة بوينغ 757 عن بعد عبر ترددات الراديو، مما يدل على أن اختراق أنظمة الملاحة أو التحكم بالطائرة ممكن نظرياً إذا توافرت ثغرات أمنية. لذلك يمكن للهجوم السيبراني في أسوأ السيناريوهات أن ينتقل من إيقاف خدمة الحجز أو الأمتعة إلى تعريض حياة المسافرين للخطر، سواء بتعطيل أنظمة تجنب الاصطدام والهبوط أو ببث بيانات ملاحية خاطئة تؤدي إلى حوادث جوية".
تُبرز هذه الحوادث المتتالية، من الطائرات المسيّرة إلى الهجمات السيبرانية، حجم التحديات الأمنية التي تواجهها المطارات في زمن الرقمنة والتهديدات غير التقليدية. ويبقى السؤال مفتوحاً حول قدرة أنظمة الطيران على الصمود أمام تهديدات أكثر تعقيداً في المستقبل.