إيران وإسرائيل... عزلتان بآثار مختلفة

أثار خطابه ردة فعل داخلية واسعة.
في 15 أيلول/سبتمبر، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ضرورة تبني الإسرائيليين نهج "إسبرطة الفائقة" أي "الاعتماد على الذات" لمواجهة تداعيات العزلة المتزايدة بعد الحرب على غزة. بعبارة أخرى، أراد نتنياهو، عن غير قصد، إضافة عزلة ذاتية إلى العزلة الدولية.
بسبب الردود الشاجبة من المعارضة الإسرائيلية، تراجع نتنياهو عن خطابه قائلاً إنه كان "زلة لسان".
فقدرة إسرائيل على صياغة علاقات خارجية متعددة المستويات هي التي منحتها مرونة كبيرة لتخفيف وطأة العزلة، وجعلها أخف بكثير من تلك التي تواجهها عدوتها الكبرى، إيران.
رهانات خاطئة
ركز المرشد الأعلى علي خامنئي على التقرب من الدول التي تشبه إيران في تطلعاتها المناهضة للولايات المتحدة. دفع مقابل ذلك ثمناً باهظاً. خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على إيران، اقتصر موقف الصين وروسيا على الإدانة. لكن الضرر الذي أتى من موسكو كان أكبر.
وقفت إيران إلى جانب روسيا في أصعب لحظات حربها المتعثرة ضد أوكرانيا، عبر مساعدتها في صناعة المسيّرات. وبعدما تمكنت موسكو من توطين تلك الصناعة، تخلت عملياً عن طهران. ودفعت الأخيرة ثمناً آخر عبر سياستها، إذ تلقى دعمها لأول حرب على الأراضي الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية رد فعل أوروبياً تمثل في آلية الزناد التي ستعيد العقوبات الأممية عليها. وبالرغم مما كُتب عن إمكانية حصول إيران على أسلحة صينية متطورة، لا شيء جدياً يلوح في الأفق.
بعبارة أخرى، بعد انهيار محورها الإقليمي واستكانة شركائها الدوليين، على ندرتهم، تجد إيران نفسها شبه وحيدة في مأزقها.
نفوذ إسرائيل... أبعد من أميركا
مقابل العزلة السياسة والاقتصادية التي تواجهها إيران، تبدو العزلة الإسرائيلية إعلامية ومعنوية على الأغلب. لا ينحصر سبب نجاح إسرائيل النسبي بتخفيف عزلتها في العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة، على الرغم من أهميتها. بشكل محوري، لم تكتفِ إسرائيل بالاتكال على هذه الروابط، هي التي تدرك أن وصول الديموقراطيين إلى واشنطن يعني بشكل مؤكد تراجع الدعم.
ثمة سبب آخر لمرونة إسرائيل. فقد تحولت إلى ثامن أكبر مصدّر للأسلحة حول العالم ويذهب أكثر من نصف صادراتها العسكرية إلى أوروبا. قال ديبلوماسي إسرائيلي لـ "إيكونوميست" مطلع أيلول/سبتمبر إن إجراءات الأوروبيين بحق تل أبيب "رمزية" بسبب ما توفره لـ "أمنهم القومي". وتشتري الهند أيضاً أسلحة إسرائيلية، مما يسمح لتل أبيب بتحقيق اختراق في دول "عالم الجنوب".
وتسلمت أوكرانيا مؤخراً من إسرائيل منظومة "باتريوت" للدفاع الجوي. وقد تكون إسرائيل سعيدة أساساً بالتخلي عن مخزوناتها من "الباتريوت" التي لم تستخدمها في حروبها الأخيرة مع إيران، لأن منظوماتها (مقلاع داود والسهم) أفضل في اعتراض الصواريخ الباليستية.
حتى فرنسا
في الخلاصة، ليست كل حالات العزلة متشابهة. ونادراً ما تكون قوة تلك الحالات مرتبطة بقوة الخطابات خلفها.
قال مسؤول تنفيذي إسرائيلي لـ "إيكونوميست" إن إغلاق مقار شركات إسرائيلية في معرض فرنسي للدفاع الجوي لا علاقة له بالحرب، بل أساسه "أننا نتنافس على العقود (الأوروبية) مع شركات الأسلحة الفرنسية ونفوز". فحتى الطائرة الرئاسية الفرنسية، كما أضاف، تستخدم نظاماً إسرائيلياً للحماية.
بالرغم من أن إسرائيل تواجه إدانات دولية أكبر بكثير من تلك التي تواجهها إيران، يبقى أن مجال مقارنة التداعيات، حتى اليوم، لا يزال ضئيلاً. وهذا يفسر، مثلاً، لماذا تسببت "زلة لسان" نتنياهو الأولية بخسائر في بورصة تل أبيب.