حرب جديدة على إيران: الغرب يحرّض وطهران تستبعد!
يبدو أن مصطلحات "على صفيح ساخن" و"بدء العد العكسي" و"تغيير خريطة الشرق الأوسط" ستلازم يومياتنا في الفترة المقبلة، مصحوبة بالكثير من الترقّب لما ستحمله التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، خصوصاً بعد عودة الاسطوانة الأميركية – الإسرائيلية إلى تهديد إيران بحرب جديدة.
تذكيراً، ما كانت المشاهد غير المسبوقة في ساحة تيان أنمين، التي جمعت الرئيس الصيني شي جينبيغ والزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والكوري الشمالي كيم جونغ أون، خلال مراسم إحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية في الصين، ولا صورة ما بعد قمة ألاسكا، التي أظهرت الرئيس الأميركي دونالد ترامب جالساً في منتصف طاولة "متزعماً" زعماء دول غربية كانت تُعدّ حتى وقت قريب قوى مقررة في السياسة الدولية، إلّا دليلين على أن نظاماً عالمياً بديلاً يُرسم على نار هادئة، وأن قوى كانت صانعة للقرار العالمي، أصبحت، في كثير من القضايا، مجرّد منفّذ لا أكثر.

أوروبا... من أوكرانيا إلى إيران
اليوم، تؤدي أوروبا دوراً في إنهاء النزاع الروسي - الأوكراني على طريقتها، متعهدة الاستمرار في إمداد كييف بالسلاح، وفي منحها ضمانات أمنية إن تم التوصل إلى اتفاق سلام. أما في الملف الإيراني فالأوروبيون يسلكون مساراً مختلفاً تماماً، بالتحريض على الحرب، وبتفعيل آلية الزناد، وإعادة فرض العقوبات.
ومع تفعيل الترويكا الأوروبية آلية "سناب باك"، والتصويت أممياً على إعادة العقوبات الأممية ضد إيران، ارتفعت احتمالات شنّ ضربات جديد على المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً أن مراقبين يقولون إن الأوروبيين يحاولون التخفيف من وطأة اعترافهم بـ"الدولة الفلسطينية" التي لم تولد بعد من خلال مجاراة إسرائيلي في سعيها إلى منع إيران – لو عسكرياً – من امتلاك قدرات نووية.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد أكد أن "حيازة إيران سلاحاً نووياً يعني حيازة النظام الشد خطراً السلاح الأشد خطراً"، داعياً المجتمع الدولي إلى عدم تغيير هدفه المتمثل في منع طهران من امتلاك قدرات نووية إلى الأبد، وذلك بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، خرج فيه هذا الأخير بخطاب يؤكد استكمال المهمّة ضدّ إيران "بدعم من ترامب" الذي فرض سلامه الخاص على غزة في قمة "شرم الشيخ".

من الاستشارة إلى صناعة الحرب
ليست الدول الأوروبية وحدها من يحرض على حرب جديدة مع إيران. فبينما تنشغل حكوماتها في تفاوض علني وخفيّ، فإن جزءاً لا يقل أهمية من صنع القرار يتم خلف الستار، داخل "مراكز الفكر" ذات التمويل المشروط، التي تُساهم في توجيه الرأي العام وضوغ التوصيات الاستراتيجية لصنّاع القرار.
في هذا السياق، كشف تقرير استقصائي نشره موقع "Responsible Statecraft" أن المركز الأطلنطي (Atlantic Council)، أحد أبرز مراكز الفكر في واشنطن، تلقّى ما لا يقل عن 10 ملايين دولار من شركات أسلحة كبرى خلال السنوات الخمس الماضية، مقابل توصيات "حربية". وفي حوار صحافي، أدلى نائب مدير المركز، مارك ماسا، بجواب مبهم عن "الاستقلال الفكري" في المركز، معترفاً بأن المركز تلقّى بالفعل ما لا يقلّ عن 10 ملايين دولار من مقاولي البنتاغون: أكثر من 1,2 مليون دولار من SAAB، و أكثر من 850 ألف دولار من General Atomics، ونحو 750 ألف دولار من RTX (سابقاً Raytheon).
Watch as an Atlantic Council fellow is speechless in response to a simple question about the organization’s funding from weapons manufacturers: pic.twitter.com/obAckpfP4N
— Nick Cleveland-Stout (@nick_clevelands) August 21, 2025
وبحسب التقرير، ساهمت الحكومة الأميركية بشكل مباشر بما لا يقل عن 1,49 مليار دولار لمراكز الفكر الأميركية منذ 2019، وذهب 1,4 مليار دولار إلى مؤسسة "راند" البحثية التي تعمل مباشرة لصالح الحكومة الأميركية. كما ساهمت أكبر 100 شركة دفاعية بأكثر من 34,7 مليون دولار.
أما بالنسبة للحكومات الأجنبية وكياناتها، فقد ساهمت بأكثر من 110 ملايين دولار للنحو 50 مركزاً رائداً للبحوث في الولايات المتحدة. والتقارير التي تصدر عن هذه المراكز، والتي كثيراً ما تعتمدها وسائل إعلام ومسؤولون غربيون، لا تأتي بالضرورة من منظور أكاديمي صرف، بل أحياناً من دوافع ممولة تُحرّك اتجاهات معينة، منها تأجيج الصراع مع إيران، كما يقول التقرير.
إيران: لا حرب!
في مقابل كل هذا الحشد الكلامي لحرب جديدة ممكنة ضد إيران، يقول موقع "الديبلوماسية الإيرانية" إن المواجهة الإسرائيلي - الإيرانية، التي خلفت خسائر فادحة على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية للطرفين، أثبتت أن تكلفة الصراع أكبر كثيراً من المكاسب التي ترجو إسرائيل، وأميركا من ورائها، تحقيقها.
ويضيف الموقع المقرب من دوائر القرار افيراني: "أحد أبرز أسباب تراجع احتمالات تجدد الحرب هو أن الطرفين خاضا اختباراً حقيقياً لقدراتهما الميدانية... إذ نجحت إيران في إبراز جانب من قدراتها الدفاعية والهجومية".
وبحسب الموقع، رغم محدودية الخسائر التي تكبدتها إسرائيل، في ظل رقابة إعلامية مشددة، "فإن فقدان تل أبيب العمق الاستراتيجي يكشف حجم الأضرار التي لحقت بها"، معترفاً بأن إسرائيل والولايات المتحدة "أثبتتا قدرةً كبيرة على استهداف البنية التحتية الحساسة داخل إيران، خصوصاً على المستوى العسكري".

رغم ذلك، يقدر الموقع أن إسرائيل وإيران أدركا أن الاستمرار في الحرب كان سيؤجج صراعاً إقليمياً يصعب السيطرة على تداعياته، "فكان التوجّه نحو وقف المواجهة قبل تفاقم الأمور".
وينسب الموقع إلى محللين عسكريين قولهم إن الهجمات الأميركية والإسرائيلية أخّرت قدرة إيران على ترميم بنيتها التحتية النووية العسكرية عامين في أقل تقدير، "فلا مبرر مقنعاً لإسرائيل وأميركا بشن حرب جديدة على إيران"، مع اعتراف الموقع بتراجع كبير في مكانة إيران الإقليمية، "وهذا كفيل بالتقليل من فرص تجدد الحرب".
نبض