اليمين المتطرّف يتمدّد أوروبياً وترامب "القدوة"... متى ينتهي شهر العسل؟

مدريد كانت الحدث في 8 شباط/فبراير 2025. في العاصمة الإسبانية، اجتمع ائتلاف "باتريوت" (الوطنيون) الذي يضم الأحزاب اليمينية المتطرّفة الممثّلة في البرلمان الأوروبي في قمّتهم الرابعة. هو ثالث أكبر كتلة في البرلمان تشكّل بعد الانتخابات في أيار/مايو العام الماضي، ويتألّف من 86 نائباً من 14 دولة يمثّلون 19 مليون صوت.
لا شكّ أن هذا الصعود في القارة الأوروبية تحكّم به عوامل عدّة على مدار السنوات الأخيرة، لتُتوّجها العودة الترامية إلى البيت الأبيض. فمنذ 20 كانون الثاني/يناير، يوم تنصيب دونالد ترامب، خطفت انطلاقة الرئيس الجمهوري الأضواء مع تصريحاته بالسيطرة على غزة وتهجير أهلها وإنهاء حرب أوكرانيا وتنشيط الاتّصال مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين والسيطرة على غرينلاند واستعادة قناة بنما وفرض الرسوم الجمركية على دول عدّة...
في القارة العجوز، اغتبط قادة اليمين بالقيادة الأميركية الجديدة فاعتبروها خطوة لا بدّ من تطبيقها في بروكسل، في مقر البرلمان الأوروبي!
"وقتكم قد انتهى"
للقمّة اليمينية نجومها، ومواقفهم تستحق الوقوف عندها. ترأس القمّة زعيم حزب "فوكس" الإسباني سانتياغو آباسكال، الذي كانت القمّة الأخيرة في باريس قد انتخبته العام الماضي رئيساً لائتلاف "وطنيون".
من القادة الأكثر تأثيراً هي زعيمة التجمّع الوطني الفرنسي مارين لوبن، والتي تنتظر صدور القرار النهائي في محاكمتها بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي، وفي حال إدانتها ستغيب عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2027، فقالت: "منذ انتخاب الرئيس الأميركي يشهد العالم وأوروبا تسارعاً في التاريخ. نحن نواجه تحوّلاً حقيقياً والاتحاد الأوروبي يبدو في حالة صدمة".
أمّا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان فاعتبر أن "إعصار ترامب غيّر العالم في غضون أسابيع قليلة. بالأمس كنّا مارقين، واليوم أصبحنا التيار الرئيسي والمستقبل".
من جهّته، رأى زعيم حزب الحرّية الهولندي خيرت فيلدرز "أنّنا نحن نعيش لحظة تاريخية ورسالتنا إلى جميع القادة القدامى، من إيمانويل ماكرون إلى أولاف شولتس، وصولاً إلى بيدرو سانشيز: وقتكم قد انتهى، أنتم أصبحتم جزءاً من الماضي".
"علينا أن نفعل ما أخبرنا به ترامب: قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا! يجب أن نستعيد أوروبا، فهي ملك لنا. نريد أوروبا مسيحيّة!" هذه دعوة زعيم حزب "شيغا" في البرتغال أندريه فينتورا، خلال القمّة.
"لنجعل أوروبا عظيمة من جديد"
تحت شعار "ميغا" الذي يدعو إلى استعادة عظمة أوروبا، تيمّناً بشعار الرئيس الأميركي "ماغا"، انعقدت الجلسات الرسمية للقمّة.
والأبزر في بيانها الختامي، وصفُ دونالد ترامب بـ"قدوة يُحتذى" بها وأنّه إلى جانب الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي "دليل قاطع على الإرادة السياسية، مدفوعة بالتأييد الشعبي الواسع، قادرة على تغيير مصير الأمم، وحملا الحرّية من جديد بدعم من الشعوب".
بيان قمّة اليمين واضح: "نحن الباتريوت، مصمّمون على إعادة المنطق السليم إلى عملية صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي وإعادته إلى قيمه التأسيسية. أعيدوا لأوروبا قوّتها، أعيدوا لأوروبا عظمتها، المستقبل ملك للباتريوت".
وقد أعلن ائتلاف "وطنيون" إطلاق "إعادة الفتح" تحت شعار "لنجعل أوروبا عظيمة مجدّداً"، هاجموا الاتحاد الأوروبي معتبرّين أنّه "متحجّر في الماضي ولم يتعلّم شيئاً من أخطائه ولم يتخلَّ عن سعيه لجعل أوروبا دولة ضخمة تقوم على الهندسة الاجتماعية وما يترتّب عليها من نتائج كارثية مثل الهجرة غير الشرعية وانعدام الأمن وتراجع القدرة التنافسية والتعصب المناخي".
واتّهم بيان القمّة المؤسّسات الأوروبية بأنّها "مرتع للفساد وقمع حرّية التعبير"، وقال: "عصر النخب في بروكسل قد انتهى. هدف هذا الائتلاف الحصول على الأغلبية في برلمانات الدول الأعضاء وفي أجهزة اتخاذ القرار الأوروبية".
أقرب استحقاق!
استحقاقات اليمين تتسارع في القارة الأوروبية، فبعد الانتصار السياسي لزعيم الحرّية النمساوي اليميني هربرت كيكل، تتّجه الأنظار إلى يوم 23 شباط/فبراير في ألمانيا إذ يبرز حزب "البديل من أجل ألمانيا" وتشهد برلين مرحلة سياسية حاسمة. وتشير استطلاعات الرأي إلى تصدّر الحزب الديموقراطي المسيحي نسبة تأييد حوالى 30%. في المقابل، يواصل حزب "البديل" تحقيق مكاسب وتتراوح نسب تأييده بين 18% و22%.
إن هذا الصعود يثير قلق الأحزاب التقليدية. كل هذا يحصل وسط تظاهرات وتحرّكات شعبية على الأرض لرفض صعوده ووصوله إلى الحكم.
تبعية أو استقلالية؟
على أهميّة قمّة مدريد، إلا أن اللافت أيضاً تصريحات لوبن وسعيها للتأكيد على الاستقلالية عن الولايات المتحدة، بعيداً عن التأثّر المباشر بسياسات "القدوة" ترامب.
في كلمتها، أكّدت زعيمة حزب التجمّع الوطني أنّه ينبغي ألا تتبع فرنسا سياسات ترامب بل عليها الحفاظ على استقلالها. وقالت: "فرنسا لا يمكن أن تكون ابنة للولايات المتحدة".
وأضافت أن "قوّة أوروبا تكمن في قوّة دولها القومية. إن أوروبا بحاجة لإعادة بناء علاقاتها مع الولايات المتحدة على أساس ثنائي وليس من خلال التأثير الأميركي المباشر".
ترى الأحزاب اليمينية في ترامب حليفاً قويّاً إلا أن القلق لا يغيب بين بعض قادة اليمين من أن سياسات ترامب مثل الرسوم الجمركية ومواقفه من حلف "الناتو"، فسياسات "أميركا أولاً" تضعهم أمام موقف صعب بين دعمهم لترامب وحماية مصالح بلدانهم.
فهل يدوم "شهر العسل" بين ترامب وأصدقائه الأوروبيّين اليمينيّين؟