الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تسوية الثمن الموجع؟

نبيل بومنصف
نبيل بومنصف
A+ A-

يبدو أمراً مثيراً للاهتمام والتدقيق الجدي ذاك الجدل الصاعد بنبرة عالية وسط القواعد الشعبية لـ١٤ آذار حول مفاجأة تبدو مذهولة امامها فأطلقت فيها نفير التعبير على غاربه. نبرة حادة للغاية يمكن معاينتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي و"منبريات" اخرى، ويصعب تجاوز دلالاتها العميقة في الحال التي تعتمل داخل هذه القواعد، ولا نعتقد انها غائبة اطلاقا عن التأثير القوي على الجدل المماثل الجاري بين القيادات السياسية والحزبية لهذا التحالف المتريث في صوغ قراره النهائي من مشروع تشكيل حكومة يملي، كما في قواعد كل تسوية ظرفية كانت ام جذرية، التنازلات المؤلمة بين اطرافها المتحاربين او المتخاصمين.
يغلب على النبرة الطالعة في الجدل الشعبي رفض غاضب طبيعي لمشاركة ١٤ آذار في الحكومة مع "حزب الله" تحديدا انطلاقا من خشية شديدة الوضوح من ان يكون التنازل افدح من التعويض الممكن للتراجع عن شروط وشعارات ومواقف بالكاد جف حبرها ترهن اي تسوية مع الحزب بانسحابه من سوريا والتخلي عن ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" ووضع الاساس الحتمي لمعالجة مسألة سلاحه على طاولة الحوار. تشي النبرة الشعبية الغاضبة برفض استعادة التجربة الفاشلة المهينة التي اصطلح على تسميتها الـ"سين سين" والتي انتهت بانقلاب ابيض.
قد يكون الاهم من معاينة حال قواعد ١٤ آذار التمعن في التنازلات التي دفعت "حزب الله" و٨ آذار الى الجنوح السريع نحو تسوية مستعجلة، ولهذا التطور كلام آخر. لكن ذلك لا يحجب اهمية الاختبار الشاق الذي تواجهه ١٤ آذار بما يوحي بأمرين ايجابي وسلبي.
من الزاوية الايجابية لا يمكن التنكر لحقيقة الحرية الواسعة والنقدية المطلقة اللتين يتحلى بهما جمهور فريق 14 آذار الذي رزح ولا يزال تحت وطأة الترهيب والضغوط ومن ثم الاضطرار الى اتباع انماط تسوية. هنا تماما من حق هذه القواعد ان تسأل تكراراً قياداتها عن الوهن الكبير المكشوف في استراتيجيتها التي تبدو غالبا قاصرة امام مشروع ضخم لخصمها الحديدي مما يضعها في موقع ردة الفعل.
أما من الزاوية السلبية فثمة ما يناقض ديموقراطية هذه القواعد وادبيات خطابها مع ظهور حدة تقارب التخوين لبعض قياداتها من دون التفات الى ظروف قاهرة موضوعية قد تملي السير الظرفي في التسوية. بالامس كانت هذه القواعد ترتجف خيفة مثل جمهور خصومها تماما من اهوال فتنة تهرول سريعا. وهو امر لا يأتلف مع النزعة الجارفة الى تحريم التسوية متى كانت الوسيلة الوحيدة لاحتواء ما امكن من اهوال اعظم لا تزال تجثم على لبنان.
هو الميزان الحاسم الصعب إذاً الذي يضع مجمل لبنان امام خيارات لا تقل صعوبة وقسوة عن تحديات مصيرية بالكامل.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم