الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الحاجة ملحّة إلى حكم نظيف يكافح الفساد وإلى من يجيب عن سؤال "من أين لك هذا؟"

اميل خوري
A+ A-

سجَّل لبنان تراجعاً في مؤشر الفساد السنوي الذي اصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2013 إذ تراجع إلى "الدرجة 28 من 30 درجة في 2012 على صعيد مستوى النزاهة، واحتل المرتبة 127 من اصل 177 بعدما كان في المرتبة 128 من أصل 176 في العام الماضي. ويعود هذا التراجع في رأي بعض المراقبين إلى وجود حكومة مستقيلة ولا عمل لها سوى تصريف الأعمال، ولو انها لم تكن كذلك وكان مطلوب منها تنفيذ مشاريع كبرى لما كان لبنان ربما سجل تراجعاً في مؤثر الفساد.


لقد جرب لبنان مكافحة الفساد في مستهل عهد الرئيس كميل شمعون بإصدار قانون "من أين لك هذا"، لكن تعذَّر تطبيقه على أي فاسد لوجود غطاء سياسي أو حزبي أو مذهبي لكل متهم بالفساد، الأمر الذي زاد انتشاره في كل الوزارات والمصالح والادارات العامة، وصار من تحميه الحصانة السياسية أو الحزبية أو المذهبية يتحدى القضاء ويسخر من مذكرات الجلب... لذا لجأ الرئيس فؤاد شهاب لمكافحة الفساد إلى اجراء اصلاحات إدارية في إطار مؤسسات الدولة وأجهزتها فأنشأ هيئات مراقبة فكان مجلس الخدمة المدنية الذي يعنى بالتوظيف في الادارة الرسمية لضمان استقلالها وتنشيط فاعليتها والحؤول دون تأثير السياسيين في ملاكاتها فيحشونها بالازلام والمحاسيب والانصار لمبررات سياسية أو طائفية أو انتخابية. ونيط بهذا المجلس تعيين الموظفين طبقاً لمواصفات الكفاية والشهادة العلمية وتكافؤ الفرص وتقويم الخبرة من خلال امتحان لمباراة دخول لا تدخّل فيها، فحدَّ من نفوذ السياسية في الادارة، ونجح في ضبط أجهزة الدولة. ومنح عهد الرئيس شهاب هيئة التفتيش المركزي صلاحيات خارج نطاق الوزارات لتشمل الادارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة والبلديات بغية وضع حد لتولي مفتشين تابعين للوزير مراقبة أداء إدارة يرئسها وزير. وجعل من ديوان المحاسبة محكمة إدارية مستقلة تسهر على إدارة الأموال العمومية ومراقبة استخدامها والفصل في صحة حساباتها وقانونية معاملاتها والتحقيق فيها ومحاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلقة بها. وكانت وزارة التصميم التي استحدثها نتاج أعمال بعثة "إيرفد" التي أن خلصت في دراساتها إلى أن المشكلة الاجتماعية في لبنان لا تقتصر على معالجة حاجة طبقة واسعة من سكان الاطراف والارياف إلى طرق ومياه وكهرباء وهاتف ومدارس ومستوصفات فحسب، سعياً إلى بنية متكافئة وعادلة بين المناطق تتفادى الخلل والانفجار، بل يقتضي العمل على تحديد قواعد العلاقة بين الدولة والمواطن. لكن الاصلاح الاداري الذي أرسى عهد الرئيس شهاب أسسه واجهته مصاعب وعراقيل حالت دون بلوغ الغاية الكاملة منه، وربما كان ينبغي أن يسبقه إصلاح سياسي من أجل إعادة بناء الدولة وتجديد الطبقة السياسية، لكن الاصلاح السياسي كان دونه عقبات أكثر وأكبر. وبعد عهد الرئيس شهاب لم يعد لهيئات المراقبة فعلها وتأثيرها بل عادت المداخلات السياسية في التوظيف وبات المرشح المدعوم سياسياً أو حزبياً أو مذهبياً يتقدم على صاحب الكفاية، ولم يعد حتى للتقارير السنوية التي تصدر عن هذه الهيئات أي اهتمام أو متابعة، وبالكاد يقرأها بعض المسؤولين للأخذ بتوصياتها وتنام في الادراج.
وكانت حرب الـ15 سنة كافية لنسف أسس الاصلاح التي بناها الرئيس شهاب وفقد الأمل في أجراء أي اصلاح سياسي يجدد الطبقة السياسية لتعذر الاتفاق على قانون للانتخاب يؤمن التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب.
وإذا لم يكن في تاريخ المجالس النيابية والقضاء سوى مرات قليلة ونادرة أن صدرت أحكام بحق مرشحين ومختلسين وفاسدين.
إن مليارات الدولارات تخسرها الخزينة كل سنة من جراء تفاقم الفساد وكثرة مزاريب الهدر والتهرب من دفع الرسوم والضرائب والتهريب عبر المرافئ والمطارات.
الواقع ان لا أحد يستطيع إصلاح ما أفسده الدهر بعدما أصبح الخبز اليومي في كثير من الدول، والفساد السياسي يصبح داء أكبر من الفساد الاداري مع تغاضي كل عهد عن اختلاسات من سبقه وتجنب المحاسبة وكأن لا وجود لهيئة مكافحة الفساد ومنع الإهدار وترشيد الانفاق لمعالجة الدين العام ولا علاج للفساد في دولة المحاصصة... وليس سوى قيام حكم نظيف وإدارة نظيفة ما ينقذ البلاد اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، وإلا فان الفساد يطيح حكم الأنظمة التي تعجز عن مكافحته ولا جواب عن سؤال يطرح منذ عهد بني عثمان: "من اين لك هذا؟".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم