الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

نورا جنبلاط

جمانة سلّوم حداد
A+ A-

لن أتحدث في هذا المقال عن روعة عرض "كاس تغنّي بياف" الذي شاهدته ليلة السبت الفائت في إطار مهرجانات بيت الدين. لن أتحدث عن موهبة باتريسيا المتألقة ولا عن صوتها الصاعق، العميق، القدري، الذي لا مفرّ من أن يعشقه كل من يفضّل، مثلي، الشراسة على الميوعة، والذي أعادت بواسطته إحياء أسطورة، لكنْ بخفرٍ لا يدعي التواضع، وبتماهٍ لا يسعى الى التقليد. لن أتحدث كذلك عن تواطؤ المكان الساحر مع العرض ككلّ، فلطالما كانت منطقة الشوف هي الأثيرة عندي في لبنان، والأكثر احتراماً في رأيي لمقتضيات المشهد الطبيعي اللبناني وجماليته. لن أتحدث أيضاً وأيضاً عن الدفء الذي يشعر به اللبناني اليائس لدى رؤيته أعداداً هائلة من الناس تقصد مهرجاناً فنياً وثقافياً، على رغم علامات الخوف والموت والتهويل التي تحيق بنا. سوف أتحدث بدلاً من ذلك كلّه عن شيء واحد، بل عن امرأة واحدة، ليست هي نجمة العرض، بل من أضواء كواليسه الخافتة: السيدة نورا جنبلاط.
ليست من عاداتي أن أمتدح من هم أصحاب سلطة أو مراكز. لا بل أعترف أني أجتنب ذلك عن قصد، وأشكك في كل كلام يُنقل إليّ مشيداً بفلان أو فلانة، اذ أضعه في شكل اوتوماتيكي في باب التملق. لكني أقوم أحيانا باستثناءات لأن الاستثناءات تفرض نفسها في بلد وثقافة، مثل هذين البلد والثقافة، حيث تسود التفاهة والسطحية والبهورات.
لا أعرف شيئاً كثيراً عن السيدة نورا جنبلاط، سوى أنها عقيلة وليد جنبلاط، ورئيسة مهرجانات بيت الدين، وأنها جميلة ومحترمة، يليق بها لقب "لايدي". لم ألتقِ بها يوماً. لا تجمعنا معرفة، ولا أعمال مشتركة. رأيتها وجهاً لوجه، للمرة الأولى ليلة السبت: لم أرها على مقعد أماميّ في العرض، تتلقى التهانئ وتغرق في المسايرات. لا. رأيتها تحت المدرّجات، في ثياب بسيطة، تدل الحضور إلى مقاعدهم كموظفة استقبال عادية في مناسبة من هذا النوع، بابتسامة دافئة ورقّة مؤثرة. حتى أني شعرت، وأنا أسألها عن الوجهة التي ينبغي لي السير بها، أني ضيفة في منزلها.
قد يقول البعض: ما الغريب في ذلك؟ هذا المشروع مشروعها، ومن الطبيعي أن تستثمر فيه جهودها. سأردّ على هذا البعض: متى رأينا في لبنان زوجة زعيم لا ترتدي الأقنعة، ولا تتصنّع، بل ترتدي وجهها، وحقيقتها، وتكدّ، بدلاً من أن تأخذ "البوزات" وتعرض مجوهراتها مثلاً في مناسبة كهذه؟
سيدة نورا، بكل بساطة: أحييك لأنكِ كما ينبغي للإنسان اللائق أن يكون.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم