الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

دعاء الهاربة من سوريا تروي 4 ايام من الجحيم... "أمل أقوى من البحر"

المصدر: رويترز
دعاء الهاربة من سوريا تروي 4 ايام من الجحيم... "أمل أقوى من البحر"
دعاء الهاربة من سوريا تروي 4 ايام من الجحيم... "أمل أقوى من البحر"
A+ A-

 


منح البحر المتوسط دعاء سرّه، وأودعها حكاية من 4 أيام تجسد 6 أعوام من الحرب السورية ومآسيها النازفة ضحايا ونازحين ولاجئين توزعوا شتاتا بين الدول. جاءت حكاية دعاء في كتاب أعدته ميليسا فليمينغ من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، والتي سمعت عن قصة غرق سفينة صيد كانت تبحر إلى #أوروبا وعلى متنها 500 مهاجر، نجا منهم 11 شخصا فقط.


بين الناجين، كانت دعاء الزامل، فتاة درعا السورية التي وثقت فليمينغ تجربتها في كتاب حمل عنوان: "أمل أقوى من البحر"، حكاية لاجئة مع الحب والخسارة والصمود الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في #بيروت.


تدور أحداث القصة- وقد ترجمها إلى العربية رامي غدار- بين #درعا و#عمان و#القاهرة، وصولا إلى عمق البحر المتوسط، لتأخذ من درعا في جنوب سوريا، التي شهدت انطلاق أولى شرارات الحرب، مدخلا الى عرض حكاية ثورة بدأت سلمية وانتهت دموية.


وتستعرض فليمينغ في كتابها، الذي يقع في 285 صفحة من القطع الوسط، هدوء درعا، أكبر مدن جنوب سوريا والغنية بالتربة الحمراء الخصبة وسخاء المحاصيل والفاكهة والخضار، حيث كان يقال إن محصول درعا كفيل بإطعام سوريا كلها.


وتقول فليمينغ إن سوريا ضربتها العام 2007 موجة جفاف، مما أجبر العديد من المزارعين على ترك حقولهم والانتقال مع عائلاتهم إلى مدن، كدرعا، مما أفضى إلى موجة استياء تأججت العام 2011 قبل أن تتحول موجة احتجاجات عارمة.


وتصف الكاتبة مرحلة بداية الحرب انطلاقا من درعا. فتقول: "بدأ كل شيء مع رسوم الغرافيتي التي رسمتها مجموعة من تلامذة المدرسة على أحد الجدران. وقد حصل ذلك في شباط 2011 عندما كان أهل درعا يراقبون طوال أشهر عدة كيفية تحدي الشعوب للأنظمة القمعية في الشرق الأوسط وإسقاطها... بدءا من تونس التي أسقطت زين العابدين بن علي. وراقبت العائلات ما حصل بذهول. غير أن أحدا لم يتخيل أن بوسعه تحدي النظام السوري."


حينها بدأت دعاء، التي كانت في السادسة عشرة، تلح على والديها لمعرفة ما يحصل في المنطقة. وتتساءل عن إمكان حصول ذلك في سوريا أيضا. لكن والديها قالا إن سوريا مختلفة عن تونس، وإن الحكومة فيها مستقرة.
كانت دعاء الزامل واهلها شهودا على أحداث درعا، لا سيما سجن التلامذة، وهم جيرانهم، على قول الكاتبة. فقررت دعاء التظاهر، متحدية عائلتها. لدى حصار درعا في نيسان 2011، ومع تحول الثورة احتجاجا مسلحا، انتقلت عائلة الزامل إلى الأردن، ومنها إلى مصر. وهناك عاشت دعاء حكاية حب مع ابن بلدها باسم الذي كان نزح بدوره إلى مصر.


ارتبط الشابان وقررا الهجرة معا إلى السويد، حيث لم يعد بإمكانهما البقاء في مصر، ولا العودة إلى سوريا، إذ تقول الكاتبة إن العائلة لم تلق في مصر سوى "العدائية والعمل الشاق بأجور منخفضة لا تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، وبالكاد كانت قادرة على شراء الطعام ودفع الإيجار، ولا فرصة أبدا كي تنهي دعاء الثانوية العامة. وهي، كما آلاف اللاجئين السوريين، شعرت بأنها عالقة في حياة مهملة، وفي بلد يواجه سكانه مشكلات اقتصادية وتضخما ماليا وارتفاعا في الأسعار."
اصطدم حلم دعاء بالهجرة إلى أوروبا بمافيا من تجار البحر وقوارب التهريب الذين كانوا يتحصلون من النازحين على أموال طائلة، من دون ضمانات بالوصول. وكانوا يتاجرون حتى بسترة النجاة التي يبيعونها للاجئين "مغشوشة" وغير صالحة للطفو.


بعد 3 محاولات فاشلة للصعود إلى سفينة النزوح على شواطئ الإسكندرية، وصلت دعاء وخطيبها باسم إلى سطح سفينة معدة للصيد. وتقول الكاتبة: "وضع السفينة كان تعيسا، والطلاء الأزرق متقشر، والحواف صدئة كلها، وشباك الصيد الموضوعة على متنها أظهرت أنها للصيد، وليس لنقل الركاب. كانت السفينة مزدحمة جدا، لكنها تعرضت في عرض البحر لهجوم بالرصاص، وتم استهداف الركاب الذين كان بينهم العديد من الأطفال والنساء." وتضيف: "تلك الليلة، ارتعد الركاب من شدة البرد، بعدما ابتلت الطبقات الرقيقة من ملابسهم نتيجة تلاطم الأمواج على هيكل السفينة."


في عرض البحر، بدل اللاجئون رحلتهم من سفينة إلى أخرى. لكنهم كانوا يُرمون "كأكياس البطاطا"، ولقي بعضهم حتفه تحت المحركات. وقد شاهدت دعاء العديد من الشبان والأطفال وقد تمزقت أجسادهم بشفرات المحركات. وبينما بدأ الركاب يسقطون في البحر، صرخ الرجال من السفينة المهاجمة قائلين: "فليأكل السمك لحمكم". ثم انطلقوا بعيداً، وظل صوتهم يتردد في أذني دعاء.


بات نصف سفينة اللاجئين تحت الماء، وراحت تغرق بسرعة. ففكرت دعاء في مئات الأشخاص العالقين داخلها. وقالت لنفسها إنه حكم عليها بالموت، بينما تشبثت بحافة السفينة الغارقة. كانت تسمع الصراخ من حولها، إضافة إلى صوت محرك السفينة. تنظر صوب البحر، فترى مجموعات مبعثرة من الأشخاص الذين راحوا ينادون أسماء أحبائهم، ويتضرعون إلى الله طالبين المساعدة.


تشبث الناس بأي شيء كطوف وأمتعة وقناني الماء، وحتى أشخاص آخرين أغرقوهم معهم. وبدأت مروحة السفينة تجذب الناس، فتقطّع أوصالهم. وراقبت دعاء بذعر ولدا صغيرا يبكي ويكافح للتشبث بالسفينة، قبل أن تفلت قبضته عنها، وينزلق. لم يصمد خطيبها الذي ترك لها طوق النجاة. وقال لها: ضعي هذا فوق رأسك كي تتمكني من الطفو. ثم أنزل رأسه في البحر وغاب.


تخيلت دعاء نفسها تفلت من الطوق البلاستيكي لتغرق في البحر مع باسم. لكنها أحست أن على ذراعيها فتاة صغيرة تدعى ملاك تتشبث بعنقها. وأدركت أنها الوحيدة المسؤولة إذا ما غرقت هذه الطفلة التي تركها معها جدها قبل أن يغرق بدوره.


بعد ساعات أخرى، وجدت دعاء طفلة اسمها ماسة تمسك بها من الجانب الأيسر. وعلى مدى أربعة أيام متواصلة، قاومت دعاء وماسة وملاك البحر من دون ماء ولا طعام. وكانت دعاء مرهقة، تخشى أن تنام، كي لا تفلت الطفلتان من ذراعيها. وكلما كانت الفتاتان الصغيرتان تتحركان وتضطربان، كانت دعاء تغني لهما أغنيتها المفضلة من أيام الطفولة: "يللا تنام يللا تنام، لاذبحلا طير الحمام". وعندما كانت تشعر بأنهما قد تفقدان الوعي، كانت تضع أصابعها قرب عيونهما، وتقول بصرامة: "ملاك ماسة استيقظا يا حبيبتي".


شعرت دعاء بالرعب والذعر وهي ترى الجثث أمامهم ممددة ومنتفخة في الماء، إلى أن لمحت طائرة في السماء. ومن بعدها جاءت سفينة تحمل مواد كيميائية تعبر إلى البحر المتوسط في طريقها إلى مضيق جبل طارق. وقد تلقت هذه السفينة نداء استغاثة من حرس السواحل المالطية يعلن أن ثمة سفينة محملة باللاجئين غرقت. ويطلب من كل السفن في المنطقة تقديم المساعدة.


قرر طاقم السفينة اليابانية أن يبذل كل ما بوسعه لإنقاذ الناجين. لكنه لم يرَ سوى جثث منتفخة تطفو على سطح البحر عندما وصل إلى حيث أشارت الإحداثيات. بدأت الرياح تزداد قوة، والأمواج تعلو والرؤية تسوء، فتحرك قارب الإنقاذ في كل المساحة. وبدا لهم أن بحثهم ذهب سدى. إلا أن صوت القبطان صاح فجأة عبر جهاز اللاسلكي، معلناً أن هناك امرأة تطلب النجدة. فأدركوا انه لا يزال هناك شخص على قيد الحياة في مكان ما.


كانت هذه المرأة دعاء التي جفت حنجرتها بسبب الصراخ المتكرر، وقد رغبت في الاستسلام. لكن وزن ماسة وملاك على صدرها منحها حافزا للعيش. استمرت في التجديف للبقاء طافية. ومع كل حركة في الماء، كانت تقول: يا رب. لكن يبدو أن صوتها كان يختفي وسط الرياح.


فجأة سمعت أصواتا تنادي، وفهمت بعض الأصوات الانكليزية: "أين أنت؟ تابعي الصراخ كي نجدك". فجدفت بكل قوتها صوب هذا الصوت. وأخيرا بعد مرور ساعتين صرخ بحار نظر من نافذة قارب الإنقاذ: "أراها". فتحركت الأضواء صوب دعاء، واقترب منها مركب أحمر بحجم حافلة صغيرة، ومدوا لها عصا طويلة تشبثت بها جيدا، بينما سحبوها مع الفتاتين.


نظرت دعاء إلى الفتاتين، وقالت: "اعتنوا بهما من فضلكم". وفكرت للحظة أن تلحق بخطيبها باسم في عرض البحر. لكن أحد أفراد الطاقم أمسك بذراعها ورفعها إلى القارب، ومنعها من استكمال هلوستها.


بعد إنقاذها مع الفتاتين، لم تكتب لملاك الحياة، بينما أودعت ماسة دارا للأيتام في اليونان، بعدما تعافت في مستشفى للأطفال. أما دعاء، فقد عاشت بأمان في جزيرة كريت اليونانية، وعرضت عليها الحكومة اليونانية فرصة التقدم بطلب لجوء.


وتقول فليمينغ إن دعاء صورة لملايين الأمهات والآباء والأخوات والأخوة الذين يجازفون بكل شيء في محاولة فرارهم من الحرب والعنف والموت. وتتوقع أن تحدث حكاية دعاء ثورة في النظرة إلى آلاف يموتون كل يوم بحثا عن مكان آمن لهم.


ويشير أحدث إحصاء لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين إلى أن عدد اللاجئين الفارين من النزاع في سوريا تجاوز 5 ملايين شخص.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم