الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أوركسترا "جوفن دي أكستريمادورا" الاحتراف السمفوني لدى العازفين الشباب

مي منسى
أوركسترا "جوفن دي أكستريمادورا" الاحتراف السمفوني لدى العازفين الشباب
أوركسترا "جوفن دي أكستريمادورا" الاحتراف السمفوني لدى العازفين الشباب
A+ A-


تنوّعت الأوركسترات واختلفت مصادرها خلال الأسابيع الخمسة التي خصّصها "مهرجان البستان" في عامه الرابع والعشرين، بالغناء والعزف، لأمبراطورات الشرق وملكاته. انتباه الجمهور كان دوماً مسلّطاً على الصوت الأوبرالي المنشد آيات من كليوباترا وميديا وديدون وسميراميس وسواهن، أو على العازف الصولو الذي بمهاراته على آلته اعتاد أن يسرق الأضواء كلّها، ويبقى الجسم الأوركسترالي في الظل، حتى يغيب عن بال الجمهور المنصت بانتباه إلى ما يجري في أمامية المسرح، ذلك الرسول الداعم خطى العنصر الفردي غناءً كان أم عزفاً.


أوركسترا "جوفن دي أكستريمادورا" بعازفيها الشباب الذين تنوّعت أعمارهم بين السادسة عشرة والخامسة والعشرين، احتلّت الأسبوع الأخير من "مهرجان البستان"، بارعة في فرض انتباه الجمهور إلى احترافها المبكر في الميدان السمفوني، وعلى المنصّة جيانلوكا مارسيانو، هذه الكتلة النارية، يلقّم الوتر والخشب والنحاس والصنوج والطبل، بأحاسيسه الملتهبة، فنسمع من هنا وهناك ما توحيه إلينا كل آلة، منفردة كانت أم في مسايراتها الآلات الأخرى.
ماذا عن هذه الأوركسترا التي تشابكت نخوة شبابها وربيع عمرهم في مغازلتهم على كل آلة، وضربة صنج الشقيّة كارمن، وكأن لكل عازف حلم الوصول، من خلال أدائه، إلى غمزة منها؟ هذه الأوركسترا الأسبانية، نشأت في العام 2002 من مشروع تربوي أطلقه مجلس اكستريمادورا، بهدف تحضير طلاب الموسيقى لمستقبل احترافي، غني بالتقنيات العالية والمواهب الواعدة، يجعل منهم جسماً سمفونياً على سكّة العالميّة.
مشاركتهم في "مهرجان البستان" بدأت بافتتاحية من "أوبرا زنوبيا" ملكة تدمر على موسيقى لكارل رينيكي، وافتتاحية من باليه ملكة اليمن، سبا، لكارل غولدمارك، وكانت لهذا الجسم الأوركسترالي الفتي مرافقة جميلة لعازف الترومبيت المجري تاماس بالفالفي للمؤلّف الباروك يوهان هومل.
مساء الثلثاء افتتحت أوركسترا "جوفن دي إكستريمادورا"، البرنامج بكونشرتو لكمان وأوركسترا لسان- سانس، من وحي أندروماك، أميرة طروادة الميتولوجية. كان للكمان كلمته كأننا والقوس على الوتر يطلق دموع أنثى بقطرات مالحة من هذه الملهمة فاني كلاماجيراند والوتر، كانت الأوركسترا في تآلفها تحيي بالنغم صفحة من "إلياذة" هوميروس.
بعد أندروماك الأميرة التي قتل زوجها هكتور أمام عينيها وجرّت إلى العبودية لترغم على الزواج من غريمها بيروس، وتقبل بقدرها المأسوي، يتبدل المشهد الموسيقي، لنرى أندروماك من أرض التراجيديا اليونانية، تتمنى لو سمح لها هوميروس بأن تتساوى بـ"كارمن" بطلة بروسبير ميريميه، وملهمة جورج بيزيه في تحفته الأوبرالية، فترفض قدرها وتتساوى بامرأة صنعت قدرها كما أملتها غريزتها، إمرأة للحب الناري ما إن ينطفئ حتى يشتعل لرجل آخر، تستعبد حبّه لها على مزاجها المشتعل إغراء وشقاوة.
"أوبرا كارمن" بفصولها التصاعدية، غاب الغناء عنها لموسيقى كانت ترسم بحذافيرها، المشاهد في تسلسلها. كان الغناء يباغت سمعنا فنسمع كارمن تغني "الحب ولد غجري لا يعرف أبداً قانوناً"، فيما الفلوت الجانبية، تغرّد الحرية من أنفاس نافخها. في هذا التسلسل السمفوني، بدا لنا جيانلوكا مارسيانو، مسحوراً بكارمن، منتشياً برونقها، ما جعله أكثر من مايسترو، ساهر على دقة العزف من الجسم الأوركسترالي، الرجل اللابس "الفراك" الكلاسيكي، تحوّل إلى الجنيّة كارمن، والموسيقى تحثّ أحاسيسه المشتعلة، راح يتلوّى مع الهوبوا في لقاء كارمن مع جوزي، يراقص الترومبيت، يستفزّ الإيقاعات ويعلو معها عن المنصّة شبراً.
"كارمن" أطلقت في أجواء "مسرح البستان" فرحاً يليق بتحفة كتبت للأوبرا- كوميك، بطبعها المحموم. أما الموسيقى التي عليها قام النصف الثاني من الأمسية، فبدت للسمع مغسولة من تشابكات القصة. كنا نسمع كل آلة بمفردها تحاكينا. أنظارنا لم تتوقّف عند المايسترو، الفارد على المنصّة من ديناميته المرحة، بل لكل عازف في هذه الأوركسترا كان له ولعه بكارمن.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم