الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"التيار الحر" و"حزب الله" يتفقان على "الدعوة" ويختلفان على النهايات بشأن قانون الانتخاب

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

فيما توحي المعطيات التي هي بحوزة رموز أقطاب "التيار الوطني الحر" بأن "الهجوم الشرس" الذي بدأه منذ زمن لسد الابواب نهائياً امام امكان العودة الى انتخابات نيابية تجرى على اساس قانون الستين سيؤتي ولا ريب ثماره المتوخاة قانوناً جديداً مختلف المعايير، فان رموز "حزب الله" لا يكتمون مشاعر معاكسة ويفصحون في غرفهم الموصدة عن ان رياح الامور قد لا تسير بالضرورة في هذا الاتجاه، لذا فهم لا يسقطون من حساباتهم الضمنية لحظة تعود فيها الامور سيرتها الاولى، وتالياً اجراء الانتخابات قسراً بموجب القديم على قدمه، أي قانون الستين.


وعليه، فان التنظيمين اللذين تعاهدا معاً على خوضٍ علني لمعركة الدعوة الى قانون جديد يتوجه على اساسه الناخبون الى صناديق الاقتراع، فانهما يفترقان ضمنياً في امكان الوصول قريباً الى ارساء مدخل تغييري من شأنه ان يفضي الى انتاج تجربة سياسية جديدة في البلاد تؤسس لتبدّل في الصورة النمطية المألوفة في المعادلات السياسية منذ اكثر من عقدين من الزمن.
ففي جلسة عقدت مع احد اقطاب "التيار البرتقالي" في نهاية الاسبوع الماضي، كان سؤالنا المحوري له: "الى أين تمضون في هذه الحملة الشرسة وانتم تحملون عالياً لواء الدعوة الى قانون انتخاب جديد يطوي الى الابد العمل بقانون الستين، وتبثون في المقابل مناخات توحي وكأن الانتخابات الموعودة حاصلة بالتأكيد على أساس قانون مغاير، في حين ان ثمة معطيات تفيد بان شريككم التاريخي في التحالف حزب الله يوحي وكأن الوصول الى هذه النتيجة امر مبالغ فيه لا بل يكتنفه الشك؟
يقر القطب إياه استهلالاً بصعوبة المهمة التي يتصدى لها التيار الى درجة انها طغت على ماعداها بالنسبة اليه، خصوصاً بعد وصول مؤسسه الى سدة الرئاسة الاولى وتضمينه خطاب القسم تعهداً صريحاً وجازماً بالعمل على ان تكون الانتخابات المقبلة على اساس مختلف ومغاير عن كل ما سبق. لكنه يوحي بان التيار لا يخبط في معركته هذه خبط عشواء بل لديه خريطة طريق ممنهجة يبني عليها ليصل الى مرحلة الثقة المسبقة بالنجاح في بلوغ هذا الهدف.
ومن مداخل هذه الخريطة الرئيسية تبنّي مقولة فحواها ان كل القوى السياسية تلعب بلا استثناء لعبة حافة الهاوية. فهي اولاً ابرزت كل اوراقها واطلقت كل ما في جعبتها من مناورات، وهو امر مستمر منذ نحو ثلاثة اعوام، وهي الان في مرحلة استغلال ضيق المهل وعض الاصابع في انتظار ان يأتي حين من الدهر يصير فيه الجميع امام امرين اثنين: الفراغ او الذهاب جدياً في رحلة البحث عن قانون انتخاب تحت وطأة الخوف من إطباق الفراغ، وتحت سيف تلافي هذا الواقع المر الزاحف، وهو ما تخشاه جميع المكونات كل انطلاقاً من حساباته الآنية والمستقبلية.
فرئيس مجلس النواب نبيه بري لا يريد بالتأكيد بلوغ لحظة الفراغ لان ذلك من شأنه إن حصل ان يحيله على "تقاعد سياسي" ويفقده سلطته التاريخية ومملكة حكمه المكين. وفي الوقت عينه فان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لا يحبذ ايضا حلول الفراغ لانه وهو العائد الى دست الحكم بعد غربة قهرية استمرت ما لا يقل عن خمسة اعوام وجعلته يخسر الكثير من رصيد ملكه السياسي ومن صورته ومكانته في اللعبة السياسية، يريد حتما، وفق اكثر من دليل وبرهان، ان يوفر عناصر نجاح التجربة السياسية الجديدة وديمومتها، وله في ذلك مآرب عدة.
أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط فقد دأب على ارسال رسائل عدة يعرب فيها عن استعداده في اسوأ الاحتمالات لعدم العرقلة شرط ضمان حصة نيابية بات يطالب بها اخيراً على رؤوس الاشهاد.
ومن البديهي ان من المداخل الاخرى لهذه الخريطة ان "حزب الله" الذي يتحاشى الظهور في الصف الاول لمعركة الدعوة الى التغيير على غرار شريكه ("التيار الحر")، إلا انه لن يتخلى اطلاقا عن دعم شريكه في معركته وسيظل على عناده تماما كما سلك ابان معركة الرئاسة الاولى، وكذلك الامر بالنسبة الى حزب "القوات اللبنانية" الذي وإن كان لا يبدي حماسة استثنائية لقانون جديد، فهو وفي اطار مقتضيات "تفاهم معراب" لن يذهب الى حدود العرقلة لان ذلك يرتب اعباء ومسؤوليات وحسابات جديدة لا قِبل له على تحمّلها.
وعليه، تخلص الرؤية عينها الى استنتاج جوهره ان سد الابواب امام العودة الى رحاب الستين واستخدام كل السبل المتاحة والمشروعة، يعني ان الكل مضطر عندئذ لان يتحاشى المضي الى دائرة الفراغ وان يقبل في خاتمة المطاف بأمر واقع لامحالة هو الرضا بقانون انتخاب مختلف.
أما رؤية "حزب الله" المضمرة والتي اسرّ بها احد مسؤوليه امام اعلاميَّين زاراه اخيرا، فهي تبدو بخلاف خطة "التيار البرتقالي"، اذ تنهض على اسس تشاؤمية قوامها الآتي: ان الرئيس عون، وفريقه السياسي، جاد في دعوته وهو ماض قدماً، وان الحزب سيدعمه حتى النهاية وسيشكل له ظهيراً وعضداً، لكن المشكلة تكمن في مكان آخر، وتحديداً في الخوف من ان يعود الرئيس بري عن الاصرار الذي يبديه على اعتماد قانون جديد تحت وطأة امرين يعتبرهما في اللحظة الاخيرة ضاغطين. الاول: عدم الاستعداد للتخلي عن الميثاقية، خصوصا اذا ما ظل تيار "المستقبل" على تحفّظه عن اعتماد النسبية. والثاني: ضرورة الوقوف على خاطر المكون الدرزي وضرورة تلافي دفعه الى الحائط المسدود والخيارات الصعبة والامر الواقع. وساعتئذ لن يكون امام الرئيس عون سوى مصارحة الرأي العام بان الامر هو عند الرافضين لأي تغيير وانه ادى قسطه وليس بالامكان اكثر مما كان.
وفي كلتا الرؤيتين ثمة ثوابت ومتغيرات. من الثوابت ان الامور محاطة بستار من الضبابية وعدم القدرة على التكهن بما هو آت. ومن المتغيرات ان هناك اتكاء من الجميع على لعبة عامل الوقت ومن ثم لعبة عض الاصابع وحافة الهاوية، وربما في البعيد اتكاء غير منظور او معلن على مآل التطورات الاقليمية وتدخّل الخارج الذي يبدي حرصاً على اجراء الانتخابات وتلافي الدخول في المنطوي على محاذير ومخاطر الذي هو الفراغ.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم