الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما هي الرسائل التي حملتها اشتباكات عين الحلوة؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
ما هي الرسائل التي حملتها اشتباكات عين الحلوة؟
ما هي الرسائل التي حملتها اشتباكات عين الحلوة؟
A+ A-

قد يثبت اتفاق وقف النار الذي جرى التوصل اليه في الساعات القليلة الماضية في مخيم عين الحلوة، وقد تعود الامور الى دائرة الانفجار مجدداً، فكلا الاحتمالين وارد تماماً. لكن الثابت ان مستقبل الاوضاع في اكبر تجمّع سكاني للاجئين الفلسطينيين في لبنان ليس بالضرورة انه ذاهب الى استقرار وتفاهم وتسوية بين المتنازعين، وتالياً هي جولة من جولات عنف، وهذا يعني ان المخيم سيظل الى مدى زمني مفتوح في عين العاصفة.


واللافت في الجولة الاخيرة ان الاشتباكات التي سُجلت مدى ثلاثة ايام كانت الاكثر ضراوة قياسا بسابقاتها والاكثر اتساعا من اي مرة إن من حيث المدى الجغرافي أو من حيث عديد القوى التي دخلت في عمليات المواجهة وشاركت استهلالا ولاحقا.
وفي رأى الشيخ ماهر حمود المتابع عن كثب لمسار التطورات في المخيم ساعة بساعة، ان ما حصل انتهى مبدئيا عند هذه الحدود، ولكن "ما من شيء مستجد يجعلنا نقول إن الامور لن تعود الى دائرة التوتر مجددا".
وفي نظره ايضا "ان مجيء الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) الى بيروت وكلام القيادي في حركة فتح عزام الاحمد عن ترحيبه بدخول الجيش الى المخيم، وسريان شائعات عن امكان حصول معركة حاسمة، كلها عوامل ساهمت في تأجيج الاوضاع الى المستوى الذي بلغته".
ويستبعد حمود اي تفكير لدى اي فريق في الحسم "لان ما من مستجدات ميدانية تسمح بالذهاب في هذه المغامرة "، لافتا الى انه في ايار عام 2003 حاولت فتح بتحريض من جهات لبنانية وسورية يومذاك الدفع باتجاه الحسم بعدما جيء بعدد من المقاتلين من مخيم الرشيدية. ولكن رياح الامور سارت عكس ما خطط له هؤلاء وكانت النتائج عكسية، اذا تلقت فتح صفعة وسجل الخصوم تقدما غير مسبوق على الارض".
واذا كان ثمة اجماع على ما يذهب اليه حمود من انعدام فرص الحسم الذي من شأنه ان يطوي صفحة ويفتح اخرى، فان بين المراقبين من اختار التوقف مليا عند مشهد ما جرى اخيرا ليبحث عن الاسباب العميقة التي دفعت بالذين كان لهم "قصب السبق" في تفجير الوضع الهش اصلا والقابل للاشتعال في اي وقت، ويلحف في السؤال استطرادا عن السياق الذي يمكن ادراج التفجير فيه وما هي وظيفته في هذا التوقيت بالذات إن على المستوى الداخلي الفلسطيني او على صعيد التطورات والتحولات في الاقليم عموما؟
لاريب ان مسارعة البعض الى اعتبار التفجير رداً ضمنياً وعاجلاً على زيارة الرئيس الفلسطيني الى بيروت ينطوي على قدر من الصحة، ليس لان حركة "فتح" ومَن والاها من فصائل ارادت استغلال الزيارة لتسارع الى حسم الموقف داخل المخيم وتعيد إمرة الوضع فيه الى يدها حصرا على نحو ينهي شراكة الآخرين، اي المجموعات المتشددة ويحاصرهم، وإنما لان كل القوى داخل المخيم بما لها من ارتباطات وحسابات ارادت استغلال اللحظة لبلوغ الآتي:
- ان تثبت حضورها لاعبا وازنا ومؤثرا.
- ان تجري عملية اختبار قوة.
- ان تدفع الآخرين الى اعادة حساباتهم والكف عن التفكير في اية خيارات من طبيعة مغامرة.
في السنوات الاربع المنصرمة راودت المجموعات المتشددة، وخصوصا تلك التي عقدت رهانات على تطورات الميدان السوري، فكرة "الاستيلاء" على القسم الاكبر من المخيم الذي يضم بين جنباته اكثر من 70 الف شخص، وإخراجه من سلطة الدولة اللبنانية، وان تقيم فيه ما يشبه "امارة" اصولية تحاكي الامارات والدويلات وسلطات الامر الواقع التي انتشرت بسرعة فائقة في الساحتين السورية والعراقية، وترسي اسس رأس جسر للعبور لاحقا الى ادوار اكبر واكثر تأثيرا انطلاقا من موقع المخيم الاستراتيجي وكونه على تماس مع كل المعابر المؤدية الى الجنوب.
ولان التطورات على الحدود مع سوريا والتقدم الذي احرزه الجيش السوري وحلفاؤه، وخصوصا "حزب الله"، الى تطورات وتحولات داخلية منها ضرب ظاهرة الشيخ احمد الاسير في صيدا، ومنها ايضا الموقف الحازم لحركة "فتح" والفصائل الفلسطينية العريقة وتحالفها المعلن مع الدولة اللبنانية وتكفّلها بالتصدي لاي محاولة تقدم للمجموعات المتشددة، كلها عوامل حالت دون بلوغ هذه المجموعات هدفها بالقبض على ناصية الامور في المخيم واكتفت بالانتقال الى ادوار ووظائف اخرى تتلخص بالآتي:
- حماية الاحياء والمناطق التي تسيطر عليها في داخل المخيم والتصدي بشراسة لاي محاولات لاستردادها من جانب الاخرين.
- تأمين بيئة حاضنة لكل المجموعات والخلايا والشبكات الكامنة في المخيم والمرتبطة بالمجموعات الاصولية في الخارج.
- البقاء على اهبة الاستعداد للقيام بأدوار وبعث رسائل ترتبط بالتطورات في الاقليم.
وبناء على كل هذه المعطيات، ثمة اطراف لبنانيون وفلسطينيون ساورتهم مخاوف عالية مما آلت اليه الاشتباكات الاخيرة في المخيم، الى درجة ان رئيس مجلس النواب نبيه بري اطلق تصريحا عبّر فيه بشفافية عن تخوفه من ان يكون القصد من الاشتباكات إقفال الطريق الى الجنوب، لاسيما بعدما بلغ رصاص القنص الآتي من المخيم حدود حسبة صيدا. وبالتالي فان هذه الجهات تدرج ما حصل في خانة الرغبة في ارسال رسائل كبرى ردا على تطورين على قدر من الاهمية:
الاول: مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية الذي نظمته طهران اخيرا وشاركت فيه كل الفصائل بما فيها حركة "حماس"، خصوصا ان المؤتمر اظهر ان ايران ما انفكت تمسك بنسبة كبيرة بالورقة الفلسطينية وتستطيع التأثير فيها.
الثاني: الرد والاعتراض على مؤتمر جنيف الذي نظمته روسيا في سياق البحث عن تسويات سياسية للوضع في سوريا والذي شاركت فيه للمرة الاولى مجموعات من المعارضة السورية ذات حضور وازن في الميدان السوري خلافا للمؤتمرات السابقة.
وعليه كانت رسالة المخيم ذات اهداف متعددة في هذه المرحلة، فهي دحضت مقولة ان المجموعات المتشددة في حال انكفاء، وهي من جهة اخرى ابرزت ان لهذه المجموعات حضورا عسكريا لا يستهان به ويستعصي على اي تفكير بالالغاء او التهميش، وكشفت ايضا ان المخيم حالٌ يتعين ان يُحسب لها حساب.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم