السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"12 مرّة 14 شباط" وحكم المحكمة لم يصدرودماء الشهداء لم تشقّ الطريق إلى الدولة

اميل خوري
A+ A-

"12 مرّة 14 شباط" كان عنوان ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، فكم مرّة تتكرّر الذكرى ويوقف العدّ في انتظار صدور حكم المحكمة الدولية بحق المتهمين بارتكاب هذه الجريمة البشعة؟ فالعدالة لا تكون عدالة إذا طال صدور الحكم كما قال الرئيس ميشال عون، ولا يعود تالياً عبرة لمن يجب أن يعتبر عندما يتآكله الوقت ويطويه النسيان.


لقد شقَّ دم الرئيس الشهيد الحريري ورفاقه الطريق إلى المحكمة الدولية متجاوزاً كل العراقيل والصعوبات للحؤول دون قيامها، وشقَّ دمه ودم خيرة الشهداء من رجال لبنان الطريق الى اقامة تكتل قوى 14 آذار التي جعلت من الانتفاضة الشعبية التي عرفت بـ"ثورة الأرز" يوماً مجيداً اضطرّت فيه القوات السورية الى الانسحاب من كل لبنان، وهو ما عجزت عنه قرارات مجلس الأمن الدولي التي كانت ستظل حبراً على ورق لولا تلك الثورة.
لكن كما أن المحكمة الدولية لم تتوصل بعد إلى إصدار حكم في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه على رغم مرور 12 سنة، فإن قوى 14 آذار لم تتوصّل أيضاً إلى تحقيق شعار "العبور إلى الدولة" لأن سلاح "حزب الله" كان بديلاً من الوصاية السورية وله الكلمة الفصل في الانتخابات الرئاسيّة والانتخابات النيابية وتأليف الحكومات، وبقاء هذا السلاح حال دون قيام الدولة القوية القادرة والعادلة التي لا دولة سواها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. وهو ما جعل أمجاد ماضي 14 آذار تبكي على حاضرها ولا تتفاءل في المستقبل إذا استمر لبنان يعيش حكم الأوضاع الشاذة.
لقد نجح خصوم قوى 14 آذار في وضعها كل مرّة أمام الخيارات الصعبة: إمّا القبول برئيس الجمهورية الذي يريدون، وإلّا فلا انتخابات رئاسية بل فراغ قاتل، وإما القبول بحكومة وحدة وطنية تجمع الأضداد وتكون حكومة فاشلة وغير منتجة، وإلا فلا حكومة بل أزمة وزارية مفتوحة على كل الاحتمالات، وإمّا القبول بقانون انتخاب يعتمد النسبية الكاملة في كل لبنان شرطاً لاجراء انتخابات نيابية، وإلّا فلا انتخابات على أساس أي قانون آخر ولا تمديد لمجلس النواب ليعود خطر الفراغ القاتل الى لبنان، وإصرار "حزب الله" على إجراء انتخابات نيابية على أساس النسبية يضمن له في نظره ولحلفائه الفوز بأكثرية المقاعد النيابية، عندها يكون الحكم في كل السلطات والمؤسّسات لهذه الأكثرية باسم "الديموقراطية العددية" التي تصبح هي المقبولة، ولا تعود ثمة حاجة الى اعتماد "الديموقراطية التوافقية" التي وحدها تحقّق "الشراكة الوطنية".
إن لبنان تخلّص من الوصاية السورية بانتفاضة شعبية، لكنه لم يتخلص بعد مرور 12 سنة من وصاية السلاح خارج الدولة كي تجرى الانتخابات الرئاسيّة وتتألّف الحكومات وتجرى الانتخابات النيابية وفقاً لما نص عليه الدستور وعلى أساس قانون يقرّه مجلس النواب، لا وفق ما يريده كل حزب بالاتفاق على تقسيم الدوائر ومن ثم الاتفاق على تقاسم المقاعد النيابية في ما بينها، وهو ما لم يتم التوصّل إليه حتى الآن.
أمّا لماذا ضلَّت قوى 14 آذار طريق العبور الى الدولة وسقط من سقط منها على جوانبها وجعلت خصومها يضعونها أمام الخيارات الصعبة، فلأنّها قبلت بها خوفاً على لبنان وحدة وكياناً، ولكونها قبلت أن تكون وحدها "أم الصبي" حرصاً منها على أن يبقى حياً حتى مع مَنْ وبمن... فقول الرئيس الشهيد رفيق الحريري "ما حدا أكبر من بلده" كلام مهم، أما القول "المهم أن يبقى لبنان" فهو قول وطني صادق، لكن المهم أيضاً أن يبقى بين أيدي أوفياء ومخلصين له، وإذا كانوا يحبّونه فعلاً فلا يجب أن يحبّوا عليه...
لقد كان على قوى 14 آذار أن يكون أول ما تهتم به هو إيجاد حل لمشكلة سلاح "حزب الله" واعتماد شتى الوسائل لايجاد هذا الحل، لأن بقاءه أخلَّ بالتوازنات الداخلية والطائفية وجعل الحزب قادراً على التحكم بالانتخابات الرئاسيّة وبتأليف الحكومات وبالانتخابات النيابية ليظل هذا السلاح قادراً كل مرة على وضع قوى 14 آذار أمام الخيارات الصعبة التي أحلاها مرّ خوفاً منه على وحدة لبنان وكيانه، فكانت نتيجة القبول بهذه الخيارات أن ماضي لبنان المجيد يبكي الآن على حاضره الرديء والبائس ولا يعرف الشعب أي مستقبل ينتظره.
الواقع أن بقاء السلاح خارج الدولة لن يبقي ما تبقى من الدولة ولن يقيم الدولة القوية بجيشها الواحد وسلاحها الواحد، ولا سبيل الى مواجهة هذا السلاح إلّا بالصبر والصمود وباعتماد سياسة ربط النزاع، لأن في التصدّي له فتنة تهدد لبنان بالزوال، وهذا ما يريده الخصوم. فهل ينجح الرئيس عون بفضل تحالفه مع "حزب الله" في إيجاد حل لمشكلة السلاح خارج الدولة كي يخرج لبنان من أزماته عند كل استحقاق؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم