الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

يُذهلني سمير فرنجية

عقل العويط
عقل العويط
يُذهلني سمير فرنجية
يُذهلني سمير فرنجية
A+ A-

يُذهلني الكِبَر لدى سمير فرنجية. يُذهلني عدم الرضوخ. وتُذهلني المكابرة الأبيّة النبيلة التي ترفض الاستسلام. قلّما عرفتُ رجلاً بهذا "العناد" الإيجابي، الذي يأبى الانحناء أمام الصعوبة، حتى لو كانت مستحيلة.


إنّه الرجل الذكيُّ العقل، الصلبُ الإرادة، القويُّ الشكيمة، الليّنُ المعشر، العذبُ الجلوس، العميقُ الرؤية، الكثيرُ الحلم، والمكافِحُ بلا هوادة، متحدياً المشقّة الكبرى حتى النفس الأخير.
لولا تشبّثه بالأمل، لولا روح المواجهة والمغالبة لديه، لما كان استطاع أن يكون بيننا منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً. يُذهلني أنّه الشخص الذي هو.
هذا رجلٌ يشرّفني أنّي تعرّفتُ إليه في أحد الأيام من أوائل التسعينات، ولا أزال أتعرّف إليه، وأكتشفه كلّ يوم، كما لو أنّي لم أعرفه ولم أكتشفه قطّ.
في حركات النضال كان، ولا يزال، مناضلاً شرساً وفريداً في نوعه. في الحرب، كان، وظلّ، رجل السلام بامتياز. في السياسة كان، ولا يزال، رجل سياسةٍ بما تعنيه السياسة من ثقافة شرف وفروسية وعلوّ أخلاق وأمانة وترفّع عن الدناءات والصغائر والمصالح الصغيرة. في زمن الوصايات المخيفة، كان، وظلّ، الرجل الذي يبثّ في الناس ما يجعلهم يرفضون الوصايات، ويتغلّبون عليها. في الحوار كان، ولا يزال، رجل حوار بما يعنيه الحوار من خلقٍ للأفكار، ومن تواضعٍ في الذات، ومن احترامٍ للآخر. في مدّ الجسور، كان، ولا يزال، الرجل الذي يشيّد الجسور فوق الهوّة السحيقة المستحيل ردمها، مقرِّباً المسافات المتباعدة، مؤلِّفاً العقول، فاتحاً الآفاق أمام المتنازعين والمختلفين والمتناقضين، ليلتقوا حيث كان يستحيل اللقاء. وفي البحث عن السلام واتفاقات السلام، كان، ولا يزال، يخترع الخيوط المشتركة، ويستنبط الحلول، ويضرب الصوّان، باحثاً عن شعلةٍ تضيء العتمة التي تيأس من احتمال مجيء الفجر.
سمير فرنجية هو رجلُ ثقافة وكرامة وأنفة وإباء واستقلال وحرية. وهو حارسُ قيم. ومولّدُ مفاهيم ومعايير تصلح لحياة الغد والمستقبل. وهو مزيجُ نقيضَين، الصلابة والليونة. منهما، وفي كيميائهما، ابتدع للحياة السياسية والوطنية الحرّة، ولفلسفة الحوار، ولثقافة السلام، مكانةً فريدةً تعتزّ بها الأمم الخلاّقة، ولا سيما في منطقتنا العربية التي تعيش أسوأ مراحل تاريخها، وتواجه من جرّاء هذا الواقع المأسوي كلّ التحديات المتعلّقة باحتمالات المصير.
سمير فرنجية، لم أعرفه يوماً مستسلماً لقوّةٍ غاشمة، أكانت مادية أم معنوية، جسدية أم روحية. لأجل هذا السبب بالذات، أرى شخصه، في أحواله كلّها، رمزاً للحضور الذي يخترع الأمل؛ الأمل الذي من "واجباته" أن يصنع المعجزات، حين يحتاج أحدٌ منّا إلى مثل هذه المعجزات.
سلامي إلى سمير فرنجية.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم