الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا بعد إخفاق محاولات توحيد البعث السوري في لبنان؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

منيت أمس آخر محاولة بذلت لتوحيد الاجنحة الثلاثة لحزب البعث السوري بخيبة كبرى. وبدلا من اعادة لملمة شتات هذا الحزب تحت مظلة قيادة قطرية موحدة وتزخيم نشاطه، انقسمت الجهة التي كلفت نفسها مهمة توجيه الدعوات الى مؤتمر عام، وهي القيادة التي يتربع على رأسها النائب البعثي المخضرم عاصم قانصوه الى جناحين، في ظل انتشار معلومات عن تنامي توجه جدي لدى قانصوه نفسه للتنحي والاستقالة، فتحا للباب أمام فرصة جديدة وربما اخيرة لطي صفحات الانقسام والانشقاق التي أنهكت جسد الحزب ووضعته في مهب الريح.


ومعلوم أن نواة ظاهرة التفتت والتشقق في هذا الحزب الذي يتعين أنه فرع من حزب قومي يحكم سوريا وينتشر في عدد من الاقطار العربية، بدأت بالظهور تدريجا منذ نحو عامين، إذ حدث أولا نوع من الانقلاب والتمرد على القيادة القطرية للحزب التي كان يرأسها في ذلك الحين الوزير السابق فايز شكر، وقد كان في مقدم المتمردين النائب قانصوه الذي بادر الى تسمية قيادة قطرية جديدة وتولى هو أمانتها العامة، بزعم أنه نال تأييدا ومباركة من القيادة القومية في دمشق. وعلى الاثر رد شكر ومن والاه على التحدي بمثله، فنظم مؤتمرا قطريا تخلى هو فيه عن القيادة وسمى بدلا منه الرمز القيادي التاريخي المعروف في الحزب سهيل القصار أمينا قطريا، وبدأ يمارس مهماته من مبنى القيادة القطرية التاريخي في رأس النبع، وهو واقع اعترض عليه عدد من رموز الحزب، فبادروا الى عقد مؤتمر قطري وسموا قيادة قطرية ثالثة تولى أمانتها العامة شخص ليس من الرعيل المعروف هو نعمان شلق، ومعه بعض الرموز المعروفة.
وقد استقر الوضع على هذه الصورة فترة لا بأس بها، خصوصا في ضوء تجاهل قيادة الحزب المركزية القومية لهذا التشلع، مما زاد عدد الرموز الحزبية المعتكفة احتجاجا وقرفا، ومنهم القيادي التاريخي المعروف الدكتور عبدالله الشهال من طرابلس.
كما أن هذه الصورة الانقسامية التشرذمية أوشكت أن تضيع وتبدد آخر ما تبقى من هذا الحزب التاريخي الذي بدأ انتشاره في الساحة اللبنانية منذ مطلع عقد الاربعينيات من القرن الماضي، وقد غزا آنذاك اوساط الجامعيين والنخب المثقفة والجامعية، فانتمت اليه، ولاسيما في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات فئة لا يستهان بها من المثقفين والأكاديميين ومنهم على سبيل المثال الكاتب الذي رحل قبل أيام رغيد الصلح وقبله أستاذ الاقتصاد في الجامعة الاميركية بشير الداعوق والوزير السابق بشارة مرهج والناشط القومي المعروف معن بشور والوزير والنائب الراحل علي الخليل والدكتور علي جابر والصحافي غسان شرارة وسفير العراق سابقا جان كرم، فيما كان يمكن الحزب ان يحسب عشرات المثقفين كمقربين منه ومنهم المفكر الراحل منح الصلح والنائب الراحل حمد الصمد.
وقبيل فترة، ألّف بعض البعثيين الحرصاء على إعادة لمّ شمل هذا الإطار السياسي التاريخي، وفي مقدمهم الناشطان البارزان واصف شرارة ورائف صوفان لجنة هدفها الأساسي العمل بدأب وجد لتحقيق هذه الغاية وإزالة الانقسام نهائيا. وقد عملت اللجنة في اتجاهين متوازيين، الاول التواصل مع جناحي القصار وشلق للوقوف على رؤيتهما للموضوع ولإقناعهما بضرورة الانخراط في الجهود التي تصب في خانة توحيد الحزب، والثاني إقناع النائب قانصوه بأن يأخذ المبادرة هو لخدمة هذا الهدف انطلاقا من اعتبارات عدة. وقد أثمرت هذه الجهود على مستويين، الاول ان جناحي القصار وشلق أبديا مرونة أكبر في الاستعداد والتجاوب مع الجهود الرامية الى التوحيد، والثاني ان قانصوه توجه الى دمشق وبحث للمرة الاولى مع أعلى القيادات فيها، وفي مقدمهم الرئيس بشار الاسد، في كيفية توحيد الحزب. وقد أعطي قانصوه الإذن بذلك وكلّف التواصل مع من يلزم في دمشق وبيروت لإنجاز هذه المهمة.
ولكن بحسب المعلومات التي توافرت من بعض من هم على اطلاع وثيق على ملف القضية، فإن الطريق الذي سلكه قانصوه لتحقيق غاية التوحيد لم يلق التجاوب المطلوب من الذين يفترض أن يكونوا شركاء في العملية، وحتى من رموز بعثية محسوبة على قانصوه وقيادته، بل بدت العملية كأنها تحدّ وفرض، فزادت منسوب الفرقة والانقسام ووتيرة التشرذم، ولاسيما بعدما انكشف الموضوع اعلاميا على نطاق غير مسبوق.
وقد توج قانصوه "مبادرته التوحيدية" غير الموفقة بتوجيه دعوة لعقد مؤتمر عام للحزب في لبنان يوم أمس في بيروت. واللافت ان ايا من جناحي الحزب الآخرين (القصار وشلق) لم يقبل الدعوة، بل اعتبرا نفسيهما غير معنيين بالمؤتمر وبما يصدر عنه من قرارات، فضلا عن ان تسعة من اصل 15 يشكلون اعضاء القيادة القطرية برئاسة قانصوه قاطعوا المؤتمر.
وهكذا، عوض تحقيق غاية توحيد حزب البعث، زاد الانقسام خصوصا ان الاعضاء التسعة الذين لم يحضروا المؤتمر جمدوا نشاطهم تعبيرا عن احتجاجهم وقرفهم مما يحصل وما آلت اليه اوضاع الحزب من انفلاش وتشرذم وانقسام.
وبحسب آخر المعلومات المتوافرة، فإن قانصوه دخل فعليا مرحلة التفكير الجدي في التنحّي والاستقالة، على أن يكون ذلك مقدمة لدخول اقوى واكثر حزما من جانب دمشق على خط فرض المصالحة وعملية التوحيد، بحيث ان الجهات المعنية في العاصمة السورية تعمل فورا على دعوة القيادات القطرية الثلاث ومعها الرموز المعتكفة لعقد مؤتمر في دمشق نفسها، خصوصا ان وضع الحزب برمته صار على المحك.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم